منتدى الحوار والإصلاح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المراقبة الإدارية.. الجنون.. والموت اليومي المستمر

اذهب الى الأسفل

المراقبة الإدارية.. الجنون.. والموت اليومي المستمر Empty المراقبة الإدارية.. الجنون.. والموت اليومي المستمر

مُساهمة من طرف mohamed 14.05.07 13:02

لطفي العمدوني (*)

لا تكاد تنتهي محنة المساجين السياسيين المريرة في ظلمات السجون حتى يجدوا فسيح حلم الحرية يضيق حد الاختناق بسلاسل قرار المراقبة الإدارية كعقوبة تكميلية جزائية تكون في غالب الأحيان لمدة خمسة سنوات وتصل إلى 16 سنة كما هو الحال بالنسبة للنقابي والسجين السياسي المسرح صلاح الدين العلوي. وقد تنزل إلى سنتين كأدنى حكم مصرح به إلى حد الآن. وليس في قرار المراقبة الإدارية إلا فصلان:

الفصل الأول: يجب على المسرح المذكور أعلاه أن يقيم بنهج كذا (ويحدد مقر إقامته والولاية) حتى انتهاء مدة عقوبته التكميلية.

الفصل الثاني: المدير العام للأمن الوطني والمدير العام آمر الحرس الوطني مكلفان كل في نطاقه بتنفيذ هذا القرار ويؤشر على القرار بختم وزير الداخلية والتنمية المحلية وإمضائه.

فليس هناك اذا أي تنصيص على عدم مغادرة الولاية مقر السكنى أو إلزام المسرح بالتوقيع اليومي بدفاتر مخصصة للغرض بمحلات الشرطة. لذلك رفضته المنظمات الحقوقية وطعن فيه المحامون شكلا ومضمونا لتناقضه مع مبدأ حرية التنقل الذي يضمنه الدستور لكل مواطن تونسي فضلا عن أنه كان يتخذ وما يزال ذريعة من طرف السلطات الأمنية لإدخال السجين في دوامة من الهرسلة اليومية والاستفزازات والزيارات الليلية. وتنطلق دورة المضايقات البوليسية من خلال تطبيق اعتباطي ومضيق وغير قانوني لقرار يجبر السجين السياسي المسرّح على التوقيع يوميّا بمحلات البوليس والحرس بلغت في بعض الاحيان ببعض المسرحين حد الجنون مثلما وقع للسياسي الحبيب الفني الذي أصيب بالجنون والسياحة في شوارع الكبارية حافي القدمين أشعث الشعر أغبر تطارده الصبية في الشوارع بالحجارة.

يقول عنه جاره ورفيق سجنه وطفولته السجين السياسي نبيل الواعر "إن الهرسلة اليومية الأمنية والمداهمات والإيقافات المتكررة التي سلطت عليه بذريعة المراقبة الإدارية وصلت به إلى الانهيار والدخول في حالة جنون كانت شكلا من الهروب إلى حرية خارج قيود العقل والمنطق والقانون والمراقبة الأمنية. حبيب الفني الصوفي مرهف الحس صار عدوانيا ضد جميع من حوله وتطارده الصبية كل يوم.

أي صدمة وأي شعور يحسه السجين السياسي لمّا تغتصب منه لذة الإحساس بالحرية ومتعة الانعتاق التي عاش ينتظرها دهرا تحت أثقال القيد؟ أي معنى لحرية لا تمكن من تجاوز مرارات ماضيه السوداء و بناء حياته من جديد بدون خوف أو رعب؟ من يشغل مشبوها يحاصره البوليس السياسي في كل لحظة وهو ملزم بمغادرة عمله (إن وجد عملا) للتوقيع يوميا أو تلبية الدعوات لزيارة مركز الشرطة ومخافر وزارة الداخلية التي قد تأتي في كل لحظة.

يقول صلاح الدين العلوي الذي فاجأ الجميع بتنزيل إعلان لبيع أطفاله احتجاجا على الوضع الذي وجد فيه نفسه بعد خروجه من السجن: "لقد دمرت التطبيقات المتعسفة لقرار المراقبة الإدارية حياتي... السجن أحب إليّ مما أنا فيه... مكبـّل أنا 16 سنة مراقبة إدارية ناتجة عن أحكام مكررة لنفس التهمة أنا وأطفالي نعاني الجوع. ما العمل وليس ثمّة من يقبل تشغيلي. السجن أرحم بكثير من همّ المراقبة الإدارية وضيقها وضعفها"

إنّ قرار المراقبة الإدارية لا ينصّ أبدا على إلزام السّجين المسرّح بالتوقيع في دفتر بمحلات البوليس وهذا ما تمسك به السجين السياسي المسرح قابيل الناصري لكن قوات البوليس اعتقلته وقدمته للمحاكمة في ثلاث مناسبات حوكم بالسجن في الأولى بـ3 أشهر ثم نقضتها محكمة الاستئناف لتحكم بعدم سماع الدعوى ورغم الحكم القضائي يعتقل من جديد بعد تسريحه ويحكم بشهرين وتنقض محكمة الاستئناف الحكم من جديد وتقضي بعدم سماع الدعوى وتصر الشرطة على إخضاعه للتوقيع اليومي ويصر على لا قانونيته مستشهدا بحكم محكمة الاستئناف. يقول أبوه السيد محمد بن سعيدان الناصري: "داهمتنا الشرطة مجددا منذ أيام حوالي 20 عون واعتقل ابني من جديد لنفس السبب وهو الآن بالسجن بدعوى مخالفة قرار المراقبة الإدارية. إنّ ابني يتمسك بنص القرار ولن يتراجع حتى لو عاد ألف مرة ولن يخضع لهذا الإجراء الظالم."

والذين عادوا للسجن بموجب دعوى مخالفة قرار المراقبة الإدارية كثيرون نذكر منهم حمدي الزواري، عبد الله الزواري، قبيل الناصري، الطاهر الحراثي، لمين الزيدي. وتأخذ العشوائية والتعسف في تطبيق المراقبة الإدارية صورة قهرية حينما يتحول إلى قرار نفي مثلما هو الحال للصحفي والسجين السياسي عبد الله الزواري الذي ألزم بالإقامة بمقر لم يختره ويبعده عن أبنائه وزوجته مئات الكيلومترات (جرجيس - الجنوب التونسي) بما يشكل تقطيعا لأوصال العائلة الواحدة. ونفس المعاناة يعيشها السجين السياسي حمادي العبيدي حيث أجبر على الإقامة بجندوبة رغم تقديمه لمطالب ومراسلات لكل الجهات العليا المسؤولة عنه بما فيها رئاسة الجمهورية لينتقل إلى تونس حيث عمله وسكناه مع أخيه ولكنه لم يتلق أي جواب. وللمأساة وجه آخر مع السيد حاتم زرّوق الذي وجهه طبيبه للعلاج من الروماتيزم بأحد الحمامات الاستشفائية خارج العاصمة وطلب إذنا من الجهات الأمنية مدعما بالوثائق الطبية للمغادرة للتداوي ولم يلق أي رد مما أدخله في حالة من الضغط النفسي والألم فقرر الدخول في إضراب عن الطعام للدفاع عن حقه في التداوي لولا أن أقنعه بعض الحقوقيين بالتريث ونصحوه بالصبر متولين بأنفسهم أمر مكاتبة الجهات الأمنية العليا المسؤولة عنه.

وتبقى المأساة والمعاناة مستمرة تحت صمت الكثيرين وقائمة الخاضعين لإجراءات المراقبة الإدارية تشمل المئات بكل تراب الجمهورية مثل الشاذلي محفوظ، معتوق العير، علي عون، ماهر سلمان، كيلاني منتصر، حمادي الجبالي، محمد العكروت، لمين الزيدي، كمال الحجام، لطفي الجباري، عادل بن عمر، محي الدين فرجاني، رؤوف التونكني.. والقائمة طويلة جدا.

أما المسرّحون بموجب السراح الشرطي غير المحاكمين بالمراقبة الإدارية فقد أوجدت السلطة حلا لإدماجهم ضمن إجراءاتها من خلال التنصيص في قرار السّراح الشرطي بالفصل الثالث منه أن يكون المسرّح ملزما بالإقامة بمقر سكناه ولا يجوز له مبارحته إلا بعد الترخيص له في ذلك من طرف المدير العام للسجون والإصلاح.

وبذلك تكتمل الصورة ويطبق غول المراقبة الإدارية بكلاكله على جميع المسرّحين من المساجين السياسيين. ولا بد هنا من طرح الأسئلة حول قيمة العفو وتسريح المساجين السياسيين إذا لم يضمن حقهم في الحرية الكاملة التي تفتح لهم فرصة الاندماج في المجتمع وبناء حياتهم بعيدا عن أي نوع من أنواع الضغط أو الهرسلة. أي دور للمجتمع المدني والأحزاب السياسية للإعلاميين لإيقاف جحيم المراقبة الإدارية التي يصطلي بنارها المئات من الشباب التونسي الذي اقتطفت زهرة عمره أقبية السجون الباردة.

(*) ناشط حقوقي
mohamed
mohamed
Admin

ذكر
عدد الرسائل : 517
العمر : 34
Localisation : Tunis
نقاط : 10
تاريخ التسجيل : 29/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى