منتدى الحوار والإصلاح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحجاب وما خلف الحجاب في تونس

اذهب الى الأسفل

الحجاب وما خلف الحجاب في تونس Empty الحجاب وما خلف الحجاب في تونس

مُساهمة من طرف mohamed 29.05.07 16:28

الحجاب وما خلف الحجاب في تونس
"الإسلاموية الجديدة" والأدوات البالية في مواجهتها...

عبد المجيد الحواشي (*)

حملة جديدة قديمة أطلقها مؤخرا النظام القائم في تونس ضد مرتديات الخمار. وقد عودنا هذا النظام في مثل هذه المناسبات على تكثيف دعايته لحجب الحقائق حتى وان غدت ستائره شفافة. لذلك فان إدراك أبعاد مسألة الحجاب في تونس يظل متوقفا على النظر فيما وراء الحجاب...

كثيرة هي العلامات الدالة على أن هذه الحملة، خريف 2006، لم تخرج عن نسق وأسلوب مثيلاتها التي عرفتها البلاد التونسية في مطلع التسعينات من القرن الماضي والتي استهدفت الإسلاميين وغير الإسلاميين من معارضي نظام الحكم. وحمل هذا التماثل إلى خشية بعض الملاحظين من أن تكون هذه الحملة تمهيدا لموجة جديدة من الإيقافات والملاحقات والمحاكمات كما كان الحال في السابق و كأن التاريخ يأبى إلا أن يعيد نفسه.

فقد تحرك الحزب- الدولة بسائر آلياته ومن أعلى هرم السلطة أولا لتعم بعد ذلك حركة الحشد الاستعراضي للمواطنين و"مناضلي" التجمع الديموقراطي الدستوري (الحزب الحاكم في تونس) وملأ الخطاب الأحادي الأوحد ذو اللغة الخشبية فضاءات الاجتماعات و أعادت هذه الأجواء إلى الأذهان مناخ بداية التسعينات سيما وأن الخطاب التعبوي حافظ على كل مفرداته و نبراته وبدا دعاته في تماهيهم وكأن الواحد منهم يستنسخ الآخر.

ولم تفوت بعض الأحزاب المعترف بها فرصة الانخراط في هذه الحملة واستنفرت كالعادة وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة لتعزف سيمفونيتها المعهودة لترقص على نغماتها أشباح الماضي...

منذ ما يزيد عن الخمسة عشر عاما خلت كانت الدعاية الرسمية "المعادية" للمد الاسلا موي قد ركزت تحريضها على أن الخمار "لباس مستورد" لا يمت بصلة إلى" اللباس التقليدي التونسي الأصيل". ولم يفت هذه الأصوات أن تؤكد على أن هذا اللباس له صبغة "طائفية" تدل على انتماء إلى "أقلية ضالة من المتطرفين". وقد تسنى آنذاك للنظام القائم كبح جماح الحركة الاسلاموية بواسطة السياسة القمعية التي سرعان ما انسحبت على جميع المعارضين لخياراته بمن فيهم الأطراف الليبرالية.

وبعد أن تباهى رموز النظام التونسي و في أكثر من مناسبة في المحافل الدولية باستئصال" التطرف" و"الإرهاب" من البلاد ها أنهم يعودون إلى نفس الاسطوانة.

عودة بدا من خلالها من الوهلة الأولى هزال و اهتزاز الخطاب الدعائي الرسمي الذي اكتفى في البداية بالتركيز على الطابع "المستورد" للحجاب وكأن اللباس العصري من صنع أجدادنا. ويبدو أن الهيئات القائمة على الشأن العام في تونس توجست برهة من الزمن من "تسييس" هذه الجولة الجديدة من معركتها مع الإسلاميين وآثرت إدانة أنصار الخمار باعتماد قرائن فلكلورية. ولما اتضح هزال هذه الأساليب لم تجد السلطة بدا من العودة الى عبارات "الزى الطائفي" وترسانة العبارات الأخرى المتقادمة...

ولا يفوتنا في هذا السياق التشديد على الخلفية الاديولوجية و السياسية الواعية أو غير الواعية لارتداء الخمار في شتى الأقطار العربية والإسلامية. لذلك فالمسألة لا تدخل في رأينا في الحيز الحقوقي لـ"حرية اللباس" كما يدعو إلى ذلك البعض عن حسن نية أو عن تملق للتنظيمات الاسلاموية. على أننا نكتفي بهذا الاستطراد لنعود في مناسبة أخرى قد تحتم فيها المجادلة حول هذا الموضوع.


والذي يهمنا هنا في المقام الأول هو تبين الرفض الرسمي للتعاطي السياسي مع الظاهرة الاسلاموية وتفضيل المعالجة الأمنية لهذا الملف من طرف نظام يدعي المحافظة و الدفاع على المقومات التحديثية للمجتمع. ولا يقتصر هذا الرفض فقط على التفقير المدقع للخطاب السياسي المناهض للإسلاميين وحبسه في دائرة ماضوية عقيمة بل و خاصة على عدم الاعتراف بالحجم المفزع لاتساع دائرة التأثير الاسلاموي و النظر في أسباب هذه الاتساع.يكون من المفيد جدا ضبط النمو الكمي للوافدين الجدد على الشعائر الدينية لو توفرت الدراسات ولو سمح للبحث العلمي أن يتخطى هذه العتبات الممنوعة حتى يفيد البلاد والعباد. وعلى الرغم من هذه الهنات فان المتأمل في الواقع التونسي يمكنه أن يتبين بالعين المجردة الطفرة المذهلة للـ"متدينين" و"المتدينات" حسب التعبير التونسي والتي طالت جميع الطبقات والفئات والمناطق بدون استثناء.

و مما يشد الانتباه أن هذا التضخم المشهود في عدد المتعبدين جد في فترة تعرضت خلالها حركة "النهضة" الاسلاموية إلى موجة قمع أضرت أيما ضرر ببنائها التنظيمي. لذلك فان اتساع الظاهرة المذكورة تم ظاهريا بصفة معزولة عن التعبيرية الاديولوجية و السياسية الأم للحركة الاسلاموية في تونس و التي تمثلها حركة " النهضة" وريثة "الاتجاه الإسلامي".


غير أن فك الارتباط التنظيمي هذا لا يعني أن هذه الظاهرة بريئة ومحايدة اديولوجيا وسياسيا أو ستظل كذلك على الدوام.
ومما يسترعي الانتباه أيضا الطقسية الجماعية لهذه الظاهرة من خلال تنظيم اللقاءات و استغلال المناسبات في الأفراح و المآتم للدعوة إلى "التدين". هذا فضلا عن البدع التي تروج خلال هذه اللقاءات حول "عذاب القبر" و "صلاة الاستخارة" وتبادل النصوص والكاسيتات المروجة لهذه المحتويات.... وبطبيعة الحال فان مزيد الإقبال على الخمار رغم وجود المنشور 108 الذي يحجر هذا اللباس يتنزل ضمن هذه الظاهرة العامة التي يمكن المجازفة بنعتها بـ" الاسلاموية الجديدة".

وتبقى هذه الظاهرة الاجتماعية في حاجة إلى أكثر من دراسة أنثروبولوجية قد تنير السبيل إلى رصد تداعياتها السياسية ولو بطريقة استباقية ما لم تتأكد علاقتها العضوية أو المباشرة بالمجال السياسي.

والواقع أن وجوب الحذر في توصيف هذه الظاهرة لا يمنع من معاينة منشئها و سماتها العامة في علاقة بنوعية المناخ و التربة التي ترعرعت فيهما وهو ما تتجنب السلطة القائمة في تونس على لدوام الخوض فيه.ولا نضيف جديدا عندما نذكر بوطأة الأزمة الهيكلية العامة والتي ما انفكت تغذي لدى الشباب الشعور بالإحباط مع استفحال البطالة و انسداد الأفق، هذا فضلا عن التصحر الفكري والسياسي والثقافي الذي يتعهده النظام القائم. و يكفي أن نذكر في هذا السياق أن الحملة الأخيرة على الخمار تزامنت مع منع الفرقة المسرحية العتيدة "فاميليا" من عرض مسرحيتها "خمسون" التي تتناول موضوع مرور خمسين سنة على استقلال تونس.

وعلاوة على ذلك فان السنين العجاف هذه قد شهدت تخريبا دائما لأطر الحوار الاجتماعي والفكري والسياسي التي تميزت بها تونس منذ القدم. وقد عششت في هذه الأطر شتى أرهاط البيروقراطية والوصولية والوشاية وكاد المجتمع يفقد مناعته وحسه النقدي بل والاحتجاجي ضمن الإطار الواعي و الحضاري و البناء.

كما أصبحت أخبار و نوادر الفساد على كل لسان و استعصى التفريق بين الغث و السمين منها.
فكيف يمكن لنتوء ظاهرة ما وسط هذه الأوضاع أن لا تحمل دلالة سياسية لا سيما بعد أن أرادت لنفسها أن تكون إسلامية والإسلام سياسي أو لا يكون.

كما أن الإسلام السياسي يمثل أيضا المحيط الطبيعي لانتعاش الاسلاموية الجديدة بفضل الثورة التكنولوجية من ناحية و استفحال المظالم و الحروب العدوانية على الشعوب العربية من ناحية أخرى هذا فضلا عن اتساع مجال التطرف والجهادية السلفية والإرهاب المعولم.

وقد جعل هذا الاكتساح الإعلامي من الصعب جدا بل ومن المستحيل على التونسيين أن يظلوا بمنأى عن الدعاية الإديولوجية والسياسية لعمرو خالد وبن لادن و الزرقاوي و حسن نصر الله وأحمدي نجاد...

وأكثر من ذلك فان الدعاية لهذه الرموز الاسلاموية تأتي حتى من رحم النظام القائم نفسه وأجهزته الإعلامية، والا كيف نفسر صلف و مغالاة صحف الإثارة في الدفاع عن النظام القائم كلما تعلق الأمر بتصفية حساب تنظيم أو جمعية أو شخصية معارضة والتغني في ذات الحين ببطولات هذه الرموز الاسلاموية بدعوى "دعم المقاومة"؟ ولم يعد يخفى على أحد الابتزاز والتوظيف السياسي للمشاعر الدينية للتونسيين لصالح أطراف اسلاموية أجنبية من اجل ترفيع مبيعات الجرائد و تكديس الأرباح على مرأى ومسمع من أجهزة الرقابة والمصالح السياسية التي لا يمكن أن يخفى عليها في طاحونة من تصب هذه الازدواجية؟

فهل رأيتم فصيلا اسلامويا واحدا ممن تسبح بأسماء قادتهم صحفنا في تونس يقوم بالدعاية في الأوساط النسائية دون أن تكون عضواته ترتدين الخمار أو على الأقل تقبلن بحرية اللباس للمرأة المسلمة؟
يحدث كل ذلك و الأصوات الحرة للنخبة النيرة في تونس ممنوعة من التعبير عن آرائها ومحرومة من حريتها ومن تبوء مكانتها الطبيعية في هذا السجال الذي يتعلق بتقرير المصير.

ولا نخال صيحة الفزع هذه على الرغم من الجهود المبذولة في الأوساط الرسمية لتقليصها إلا اعترافا ضمنيا بالفشل الذريع لأسلوب المعالجة الأمنية. وعبثا تسعى السلطة السياسية إلى حصر المسألة في قضية الخمار فان ذلك لن يحد من خطورة المأزق الذي آل إليه الوضع في علاقته بالملف الاسلاموي.
وبما أن التاريخ لا يعيد نفسه فان جوهر التناقض حول هذا الموضوع قد تغير بصفة خطيرة بين الأمس و اليوم. بالأمس، طرحت مسالة الخمار في علاقة بنصيرات وعضوات "الاتجاه الإسلامي" ثم "النهضة". أما اليوم فالظاهرة توسعت بصفة غير مسبوقة واتخذت صبغة مجتمعية بل و لم يعد بوسع النظام القائم أن يدين طرفا سياسيا معينا بوصفه مسئولا عنها. لذلك فان التناقض أصبح بين الدولة و فصائل عريضة من المجتمع تشمل على ما يبدو حتى أفواجا من منخرطي الحزب الحاكم نفسه الذين جرفهم سيل الاسلاموية الجديدة. وفي ظل شمولية النظام القائم و انعدام الحوار الحر و طغيان الأحادية فان الأوضاع قد تؤول إلى معضلة حقيقية. ذلك أن بقية القطاعات المجتمعية التي ترفض المعالجة الأمنية للقضايا العامة والتي تنتصب على طرفي نقيض من السلطة والحركات الاسلاموية وتتطلع إلى مشروع مجتمع يناهض الاستبداد بشتى أشكاله ستظل مواقفها مصادرة وآراؤها غير مسموعة لا لشيء إلا لأنها ترفض الانخراط في لعبة المضاربات السياسية الممتطية للدين. وبم أن هذه المضاربات قد تؤدي إلى متاهات خطيرة على مستقبل البلاد و العباد فانه يتحتم على كل القوى النيرة أن لا تنسحب من الصراع القائم حاليا حول مسالة الخمار ولا من غيرها من المسائل المصيرية. لان هذه القوى هي الوحيدة القادرة على تحويل المعركة من معركة أمنية أو تكفيرية إلى معركة فكرية ترتقي من خلاها إلى اقتراح العقلانية كمنهجية للتقدم بالوعي الجمعي ومعالجة معضلات المجتمع.

ومهما يكن من أمر فان المرجعية في حل الخلاف القائم حاليا حول مسالة الخمار وفي علاقته بالمسألة الاسلاموية لا يمكن أن تكون غير دولة القانون الملتزمة بالحياد، وهي ولا يمكنها أن تضمن هذا الحياد ما لم يتم فصل الدين عن الشأن السياسي.

(*) كاتب من تونس

(المصدر: موقع "الأوان"، شهر ماي 2007)
mohamed
mohamed
Admin

ذكر
عدد الرسائل : 517
العمر : 34
Localisation : Tunis
نقاط : 10
تاريخ التسجيل : 29/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى