منتدى الحوار والإصلاح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الفتوى ومعضلة الفردية

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

الفتوى ومعضلة الفردية Empty الفتوى ومعضلة الفردية

مُساهمة من طرف عمر 19.11.07 10:31

صالح بشير (*)

كان من الأجدى والأجدر أن تُناقش منزلة المهاجر السري (ذك الساعي إلى خلاص يقدّر أن ثمنه قد يكون الموت فلا يحجم عن المجازفة) بين الأحياء لا منزلته في العالم الآخر. لكن صناعة الإفتاء رأت غير ذلك، وفرضت، على ما أضحى ديدنها في السنوات الأخيرة، مقاربتها للأمور. إذ جزم مفتي الديار المصرية، الدكتور على جمعة، بأن الشباب من مواطنيه الذين قضوا غرقى قبالة السواحل الإيطالية في الآونة الأخيرة، «ليسوا شهداء»، وآيته على ذلك أنهم «ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة». وخالفه في الرأي أتراب له، علماء أزهريون، اعتبروا الشباب أولئك خليقين بصفة «الشهداء»، وساقوا في تسويغ ما يرون براهين وحيثيات، أوردتها وسائل الإعلام وأسهبت، بما يغني عن تكرارها هنا.

أول ما يمكن أن نلاحظه، إن أردنا أن نستخلص بعض إيجابية من هذه الحادثة، أنها تقدم الدليل على أن الإفتاء ليس من «العلوم الصحيحة»، بل هو يقوم في الغالب على «غلبة الظن» لا على اليقين، كما هو «معلوم بالضرورة» أو يفترض أن يكون كذلك. ولكن الأمر هذا لا يطمئن إلا قليلا، أو قد لا يطمئن البتة، خصوصا إذا اشتط الإفتاء وولغ في قضايا من قبيل إرضاع الكبير وما شابه. إذ أن المشكلة ليست في الإفتاء في ذاته، بل في طريقة مزاولته، وخصوصا في طريقة تلقيه. فالسطوة التي أضحت للمفتي، يخوض في كل شؤوننا تحليلا وتحريما، قد لا يتحمل وزرها هو بقدر ما تقع مسؤوليتها على المستفتي، طالب الفتوى. فهذا الأخير، هو طالب اليقين، في أمر يعنيه، حياتيّ خاص أو يتعلق بقضايا الشأن العام، وهو الذي يحوّل ما يتفوّه به المفتي رأيا في الأمر ذاك، يستند إلى «غلبة الظن» وقد يخالفه رأي إفتائي آخر، إلى يقين يلوذ به ويعمل.

أي أن الفتوى ليست ملزمة في ذاتها في الكثير من الأحيان إن لم يكن في غالبها، أو هي، على الأصح، ليست ملزمة إلا بالنسبة إلى من يريد الالتزام بها. فالفتوى تُطلب ولا تُملى، على ما يدل ما لا يحصى من برامج الفضائيات ومن المواقع الإلكترونية. وهي بهذا المعنى، خيار فردي من المستفتي، الذي يكاد يصطفي الفتوى التي يود العمل بها... لذلك تجد «الجهاديّ» يصم أذنيه عن الفتاوى «القاضية» بتحريم الإرهاب مثلا، مهما بلغ «جلال» العالم الذي أصدرها ومهما أُطلق عليه من ألقاب مثل «العلاّمة» أو ما شابه، ليأخذ بنقيضها الصادر عمّن لا صفة «علمية» له ثابتة وغير مطعون فيها... وكذلك الحال في الكثير من شؤون الحياة، الخاصة والعامة، ومن مناحيها. من ذلك أن فتوى إرضاع الكبير مثلا، قد قوبلت باستهجان واسع وتخلى عنها صاحبها، ولكن ذلك لم يحل دون تبنيها والثبات عليها من قبل أوساط في الجزائر توصف بـ»السلفية»، حتى أن أحدهم هدد زوجته بالطلاق إن هي امتنعت عن إرضاع صديق له كان يزمع استقباله في بيته، خلال شهر رمضان المنقضي.

وهنا تكمن واحدة من أبرز مفارقات ظاهرة الفتوى والإفتاء، في سمْتها الراهن، منظورا إليها من زاوية «المستهلك»، إن جازت العبارة، وهي جائزة على الأرجح بالنظر إلى طريقة إنتاج الفتوى وتداولها. ومفاد المفارقة تلك، أن الإقبال على الفتوى والإفتاء، استصدارا واستهلاكا، إنما يبادر به «مؤمن» أو «مواطن» أو إنسان، سمّه ما شئت، يريد أن يكون فاعلا، لكنه لا يريد أن يكون مسؤولا عن أفعاله وعن تقديرها... يريد لأفعاله، أو لرغباته تسويغا من خارجه، من سلطة يراها متعالية لأنها ناطقة باسم المقدّس وبلسانه، ولكنه لا يتورع عن قدر من «الانتهازية» يسير أو كبير في الاستنجاد بها، إذ هو انتقائي في التعاطي معها واستنسابي، يقيسها بأفعاله وبنوازعه ولا يقيس هذه الأخيرة عليها. ولعل ذلك بعض ما يعنيه ما يجري الحديث عنه، من باب الأسف العاجز والذي يتوقف عند الحوقلة، من «فوضى الإفتاء»، واستفحاله اضطرابا وتناقضا، ما دعا البعض إلى الدعوة إلى قيام مؤسسة دينية في العالم الإسلامي (أسوة بالفاتيكان في الكاثوليكية؟) تكون مرجعية ضبط وتنظيم.

ليس هنا مجال الخوض في هذه الدعوة مع أنها تتطلب سبرا ونقاشا. ما يهمنا هنا هو التأكيد على أن الفتوى، والتي نفضل، على خلاف ما جرت عليه العادة، تناولها من زاوية مستهلكها لا منتجها، قد تكون أمارة بليغة، على فردية متأزمة، لأنها غير ناجزة. على فرد وُجد كتطلعات، كرغبات، كنوازع، كمطامح، ولكنه لم يوجد كذات سيّدة، مسؤولة، تستقي تسويغها لما تفعل أو لا تفعل من قيم أو من معايير تأخذ بها، من خلفية ضميرية تهتدي بها. فرد وُجد خاما، ولكنه لم يوجد ثقافةً، قاصر كذات، يستقدم «ضميره» ما خارجه، فينسف فرديته من حيث يسعى إلى تأكيدها، أو يبتسرها في أبعادها الذرائعية أو الأنانية.

وبديهي أن فردا كهذا، لم يخترعه ذلك الجيش العرمرم ممن يتصدون للإفتاء، بصرف النظر عن مشروعية تصديهم ذاك من عدمها، ولا هو من اختراع حتى ما يسمى بـ»الصحوة الإسلامية»، بل هو نتاج إخفاقات وطنية، جسيمة ومديدة، تنموية واجتماعية وتعليمية وأخلاقية، ومؤدى عجز عن التكيف مع التحولات، تستوي مثل تلك الظواهر أعراضا عليه لا أسبابا له.

أما الفتاوى في ذاتها، فقد لا تقدم في هذا الشأن ولا تؤخر، والأرجح أن تستمر في وظيفتها لدى مستهلكيها، ضربا من اتكالية ضميرية، تدرأ عنهم وزر تبرير ما اتخذوه أو اندفعوا إليه من قرارات... وما دمنا في صدد الفتوى المصرية الأخيرة، فإن من يستنكف عن الهجرة، سيجد في فتوى الدكتور على جمعة ضالته، ومن يزمع المخاطرة، سيجد في آراء المعترضين عليه ما يريد... فالفتوى لا توجه قرار أحد، وهي تستمد سلطانها من متلقيها لا من الناطق بها.

(*) كاتب تونسي مقيم بإيطاليا

(المصدر: ملحق "تيارات" بصحيفة "الحياة" (يومية – لندن) الصادرة يوم 18 نوفمبر 2007)
عمر
عمر

ذكر
عدد الرسائل : 1009
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 06/09/2007

http://abouala.maktoobblog.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الفتوى ومعضلة الفردية Empty رد: الفتوى ومعضلة الفردية

مُساهمة من طرف ror 19.11.07 21:58

تلك ليست معضلة في نظري

إنها حتمية

إنها من سنن الله في الخلق

ror

عدد الرسائل : 681
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 28/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى