منتدى الحوار والإصلاح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس

5 مشترك

اذهب الى الأسفل

فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس Empty فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس

مُساهمة من طرف heeedi 29.01.08 11:08

فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس في حشد من المسلمين العزل.
إنّ الحمدَ لله، نحمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ
أنفسِنا، ومِن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يُضلل فلا
هادي لـه.
وأشهـدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] [آل عمران 102].
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ
نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً
كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً] [النساء:1].
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً
سَدِيدا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً]
[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ، وشرَّ
الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ
في النار.
أما بعد:
إن كبيرة الانتحار قد تفشى أمرها في المجتمعات الإسلامية، وصارت مفزع
التائهين، وملاذ الغارقين في مستنقع أهل البدع، وهواجس الفرق الضالة
والنحل الكافرة، وأغدت سبيلا عند أقوامٍ لرفعِ راية الجهاد على زعمهم
الخاطئ، وقهرِ إخوانهم من المسلمين العزل، مخلطين في فعلهم بين الانغماس
في صفوف العدوّ المقاتل في جهاد مشروع بإذن السلطان وفق فقه إمام، وبين
الانتحار وتفجير الجسم في حشد من النّاس العزل، الذين لا يملك أحدهم سكينا
في جيبه.
يا أبناءنا: إن المجاهد الحق هو المتبع المهتدي، السائر على طريقة السلف
في توسيع رقعة الإسلام أو الذبّ عنها، قال تعالى في سورة
العنكبوت:[وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ]، فلا يجوز لكم أن تُقدموا على أيّ
عمل كان -إن كنتم تزعمون الجهاد الشرعي-حتى تعرضوه على كبار أهل العلم في
هذا العصر، كي تَتَجنَّبوا الإفساد في الأرض، قال تعالى في سورة الأعراف:
[وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ
لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ]، فإنّ الدخول في أمور الجهاد بجهل
وعميّة يُحوِّل هذا المشروع العظيم إلى إفساد في الأرض، يجر الشرور
والفتن، وذيول الخيبة على الإسلام والمسلمين.
إنّ المجاهد المخلص يا من غُرِّر بهم بعيد كلّ البعد عن العلوّ في الأرض
والإفساد فيها بالاعتداء على ملك الغير بغير جريرة، فالمجاهد الذي يريد
وجه الله بصدق لا يظلم، ولا يتعدى، ولا يبغي، ولا يغدر، فكل من البغي
والغدر سبب لتمكن المبغي عليه على الباغي، قال جلّ شأنه في سورة الحج:
[ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ
لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ].
إن المجاهد الذي يقول أنه على منهج السّلف لا يقتل عدوّه تشهيا في القتل
وسفكِ الدماء، ولا يسحق في طريقه الأطفال والنساء ثم يأتي إلى (شبكة
الإنترنيت) ويُغيِّر الحقائق بخطاب مزور فارغ من العلم والحكمة، بل يكون
قصد من رفع راية الجهاد إظهار كلمة التوحيد بالعلم والحلم، والغلظة على من
خالفها، قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (35/368): (فالمقصود
بالجهاد أن لا يعبد أحدُ إلا الله، فلا يدعو غيره، ولا يصلي لغيره، ولا
يسجد لغيره، ولا يعتمر ولا يحج إلا إلى بيته، ولا يذبح القرابين إلا له،
ولا ينذر إلا له، ولا يحلف إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يخاف إلا
إياه، ولا يتقى إلا إياه..).
يا أبناءنا إنني على يقين أن الجهاد الشريف الذي أمر اللهُ به في كتابه،
وبيَّن أصولَه نبيُّه محمد صلى الله عليه وسلم في سنته، ومارسه السّلفُ
الصَّالح ففتحوا به القلوب قبل الأمصار؛ تمام الإيمان وسنام العلم كما قال
شيخ الإسلام رحمه الله، وأن الجبن في مبارزة العدوّ الكافر والمقاتل
للمسلمين علامة النفاق، وشرّ دفين في الإنسان، فقد روى الإمام أبو داود في
سننه كتاب الجهاد بإسناد صحيح من طريق موسى بن عُلَيّ بن رباح، عن أبيه،
عن عبد العزيز بن مروان قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: (شرّ ما في رجل: شح هالع، وجبن خالع).
وقال ابن قيم الجوزية في الفروسية (ص:491 تحقيق مشهور): (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بالله من الجبن.
والجبن خلقّ مذموم عند جميع الخلق، وأهل الجبن هم أهل سوء الظن بالله، وأهل الشجاعة والجود هم أهل حسن الظن بالله......)اهـ.
وقال كذلك رحمه الله في كتابه الروح (ص: 527): (وأصل الجبن من سوء الظن
ووسوة النفس بالسّوء، وهو ينشأ من الرئة، فإذا ساء الظنُّ ووسوست النفس
بالسوء انتفخت الرئة فزاحمت القلب في مكانه، وضيقت عليه حتى أزعجته عن
مستقره، فأصابه الزلازل، والاضطربات لإزعاج الرئة له، وتضييقها عليه....)،
[ثم قال رحمه الله]: (فسمّى -أي صلى الله عليه وسلم- الجبن خالعا لأنه
يخلعُ القلب عن مكانه لانتفاخ السحر، وهو الرئة، كما قال أبو جهل لعتبة بن
ربيعة يوم بدر: انتفخ سِحْرُك. فإذا زال القلب عن مكانه ضاع تدبير العقل،
فظهر الفساد على الجوارح، فوضعت الأمور على غير مواضعها..).
ولكن يا أبناءنا؛ عليكم أن تُفرِّقوا بين الشّجاعة، التي هي من القلب، وهي
ثباتُه واستقراره عند المخاوف، وحرارته وغضبه وانتصابه وثباته، وهو خُلقٌ
يتوّلد من الصّبر وحُسن الظن بالله تعالى، وبين الجرأة التي هي إقدامٌ
سببه قلة المبالاة، وعدم النظر في العاقبة، بل تقدم النفس في غير موضع
الإقدام، معرضة عن ملاحظة المعارض، فإما عليها وإما لها، كما قال ابن قيم
الجوزية رحمه الله.
وكهذا حال أبنائنا الذين تبنوا طريقَ تفجيرِ أنفسهم في أوساط حشود الناس
في ديار الإسلام، فهي جرأة خالية من النظر، ومعطلة من كل حرارة، لا
يُقرُّها شرعٌ حكيمٌ ولا عقلُ حليمٍ، بل هو صنيعٌ -إن سمح لي اجتهادي-
شبيه بصفة توبة الله على بني إسرائيل: [وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ
يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ
فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ
لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ].
أخرج الإمام ابن جرير في تفسيره بإسناد صحيح قال: حدثني عبد الكريم بن
الهيثم، حدثنا إبراهيم بن بشَّار، حدثنا سفيان بن عيينة، قال: قال أبو
سعيد: عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: (قال موسى لقومه: [فَتُوبُواْ إِلَى
بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ
بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ].
قال: أمر موسى قومه -عن أمر ربّه عز وجل- أن يقتلوا أنفسهم، قال: واحتبى
الذين عبدوا العجل فجلسوا، وقام الذين لم يعكفوا على العجل، فأخذوا
الخناجر بأيديهم، وأصَابَتْهُم ظُلَّة شديدة، فجعل يقتل بعضُهم بعضا،
فانجلت الظلَّة عنهم، وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل، كل مَن قتل منهم كانت
له توبة، وكل من بقي كانت له توبة).
وقال الإمام الزهري فيما أخرج ابن جرير في تفسيره بإسناد صحيح: لما أُمرت
بنو إسرائيل بقتل أنفسها، برزوا ومعهم موسى، فاضطربوا بالسيوف وتطاعنوا
بالخناجر، وموسى رافع يديه، حتى إذا أفنوا بعضهم، قالوا: يا نبي الله ادع
الله لنا، وأخذوا بعضُديه يسندون يديه، فلم يزل أمرهم على ذلك، حتى إذا
قبِل الله توبتهم قبض أيديهم بعضهم عن بعض، فألقوا السّلاح وحزن موسى وبنو
إسرائيل للذي كان من القتل فيهم، فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى ما يحزنك؟
أما مَن قُتل منهم فحيٌّ عندي يرزقون، وأما من بقي فقد قبلتُ توبَتَه، فسر
بذلك موسى وبنو إسرائيل).
قال الإمام ابن كثير: رواه ابن جرير بإسناد جيد عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه قاعدة في الانغماس في
العدوّ وهل يباح؟ (ص: 37): (فهذا كان في شرع من قَبلنا من أمره بقتل بعضهم
بعضا، قد عوضنا الله بخيرٍ منه وأنفع، وهو جهاد المؤمنين عدو الله وعدوهم،
وتَعريضهم أنفسهم لأَن يُقتلوا في سبيله بأيدي عدوِّهم لا بأيدي بعضهم
بعضا، وذلك أعظم درجة وأكثر أجرا).
إنّ بعض المغرر بهم يكون ماضيه أسود بالمعاصي، قد اقترف جميع أنواع
الآثام، فإذا استقام، واتضحت له سبيل أهل الحقّ يأتيه رؤوس الضلال ويقولون
له: إن توبتك وحدها لا تنفعك بمقابل ماضيك الأسود، حتى ولو أنّك حججت وصمت
الدهر وقمت الليل تبقى بحاجة إلى عمل آخر يطهرك من ذنوبك المتراكمة، ولا
نجد لك أفضل من الجهاد، فإن ذنوبك تغفر عند أول قطرة تهرق من دمك، وإذا
أردت أن تختزل الوقت وتحصل على أعلا وسام في التوبة فتأمم إزهاق نفسك في
سبيل الله بتفجيرها في قلب دعاة الكفر والإباحية، وبهذا العمل يكون المغرر
به قد شابه في توبته صنيع من أمرنا الله بمخالفتهم في الصغيرة والكبيرة.
يا أبناءنا إن الذي تقومون به من عمليات انتحارية ليست من قبيل الانغماس
في صفوف العدوّ المقاتل، لا من قريب ولا من بعيد، بل هي أعمال جرت الخيبة
والهوان إلى ديار الإسلام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع
الفتاوى (28/540): (وقد روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قصّة أصحاب الأخدود، وفيها أنّ الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور
الدين. ولهذا جوَّز الأئمة الأربعة أن ينغمس في صفّ الكفّار وإن غلب على
ظنّه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين، وقد بسطنا القول في هذه
المسألة في موضع آخر، فإذا كان الرّجل يفعل ما يعتقد أنّه يقتل به لأجل
مصلحة الجهاد مع أن قتله نفسه أعظم من قتله لغيره؛ كان ما يفضي إلى قتل
غيره لأجل مصلحة الدين التي لا تحصل إلاّ بذلك ودفع ضرر العدوّ المفسد
للدين والدّنيا، الذي لا يندفع إلاّ بذلك أولى)اهـ.
قلت: أين المصلحة التي عادت على الإسلام والمسلمين من قتل الأولاد والنسوان والعزل من المسلمين؟
وأين العدو الكافر والمقاتل للمسلمين في الجزائر الذي انغمس فيه أبناؤنا
وفجروا أنفسهم في وسطه لقهره وهزّ كيانه، وبث الرعب في صفوف جنوده؟
وأي مصلحة عادت على الإسلام بالنماء من هدم ممتلكات الأبرياء؟
وأي مصلحة تفيّء المسلمون ضلالها من زرع الرعب والهلع في نفوس العزل والمسلمين المسالمين؟
ولا أريد أن أسهب في ذكر المفاسد التي نجمت عن أدعياء الجهاد في ديار
الإسلام، فقد توسعت قليلا في ذكر ذلك في كتابي "الأمن وحاجة البشرية إليه"
فليرجع إليه من أراد التوسع، ولكن الذي أسعى إلى بيانه في هذه الطرّة
الحكم الشرعي في حق من زهق نفسه في جوف سيارة مفخخة، أو بحزام ناسف وهو
يظن أنه من المنغمسين في صفوف الأعداء، ولو كان ذا عقل واع غير محجوب
بالشبه، والأماني الكاذبة، وألقى بنظرة خاطفة على الذين من حوله لأدرك أنه
محشو في وسط بني جلدته من الأبرياء العزل، وأن العدوّ الكافر والمقاتل
للمسلمين الذي توهمه لا وجود له في الحقيقة؛ لا في بن عكنون ولا في حيدرة،
وإنما هي أوهام وشبه وخيالات ألصقها رؤوس أهل الضلال في عقله فاستحلته إلى
هباء فصار مطموس البصيرة، منكوس التصور، يرى الأمور بمنظار مختل وسوداء
اللون، منظار مصادم للنقل والعقل والحسّ والله المستعان، فأقول:
إنّ نفس الإنسان ليست ملكًا له يا من وقعتم في عفن الفرق الضالة، وإنما هي
ملك لخالقها وموجدها وبارئها جلّ جلاله، وهي أمانة عند صاحبها يا قوم،
سيسأل عنها يوم القيامة، أحفظ عليها، وحفظها من الشرور، وقام بحقها
وبتغذيتها بالنور الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أم ضيعها
وظلمها بالكفر والشرك وكبيرة الانتحار؟.
ولهذا فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه بحجة الخلاص والتوبة، والفرار من
العذاب، ولا أن يغرر بها في غير مصلحة شرعية واضحة من تفجيرها في وسط بني
جلدته، وليس له أن يُضر بنفسه بعلة أنه يتصرف فيما يخصه ويملكه بقطع عضو
من أعضاء جسمه، قال الله تعالى: [وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ
اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا
فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا]
[النساء: 29 - 30].
فهذا نهيٌ للمؤمنين أن يقتل بعضهم بعضًا كما هو شأن المفجرين لأنفسهم في
قلب أبناء الأمة، ونهيٌ للإنسان عن قتل نفسه، سواء كان ذلك بتعمد قتلها
مباشرة، أو بفعل الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك، ثم توعّد من يقتل
نفسه أو نفس غيره بغير حق بأن يصليه نار جهنم وساءت مصيرًا.
قال القاسمي في تفسيره (5/1203): (فإنّ كل المؤمنين كنفس واحدة، والتعبير
عنهم بالأنفس، للمبالغة في الزجر عن قتلهم، بتصويره بصورة ما لا يكاد
يفعله عاقل).
قال القرطبي الجامع لأحكام القرآن (5/156 – 157)، وانظر نحوه في فتح
القدير (1/ 457): (أجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي أن
يقتل بعض الناس بعضًا، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصدٍ منه
للقتل: في الحرص على الدنيا وطلب المال، بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدّي
إلى التلف... أو في حال ضجر أو غضب، فهذا كله يتناوله النهي).
وقد احتج بهذه الآية عمرو بن العاص رضي الله عنه حين أجنب ثم تيمم، وخشي
إن اغتسل بالماء أن يهلك من شدة البرد، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم
وأقره على احتجاجه.
وقال تعالى: [وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ] [لبقرة: 195].
والإلقاء: هو طرح الشيء، والمراد بالأيدي: الأنفس، عبّر بالبعض عن الكل،
بناء على أن أكثر أفعال النفس بالأيدي، والتهلكة: مصدر من هلك يهلك هلاكًا
وهُلْكًا وتهلكة، أي: لا توقعوا أنفسكم في الهلاك، ولا أرى هلاكا أشد من
يفجر المرء نفسه في حشد من المسلمين بشبهة الانغماس في صفوف العدو الكافر
والمقاتل.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي تفسيره (ص:88): (والإلقاء باليد إلى التهلكة،
يرجع إلى أمرين: لترْك ما أمر به العبد، إذا كان تركه موجبًا أو مقاربًا
لهلاك البدن أو الروح وفعل ما هو سبب موصل إلى تلف النفس أو الروح، فيدخل
في ذلك أمور كثيرة ومن ذلك: ترك الجهاد في سبيل الله، أو النفقة فيه
الموجب لتسلط الأعداء، ومن ذلك تغرير الإنسان بنفسه في مقاتلة، أو سفر
مخوف، أو محل مَسبَعة، أو حيات، أو يصعد شجرًا أو بنيانًا خطرًا، أو يدخل
تحت شيء فيه خطر، ونحو ذلك، فهذا ونحوه، ممن ألقى بيده إلى التهلكة...).
وذلك كترك الأكل أو الشرب والإضراب عن الطعام على طريقة أهل الجاهلية، أو
ترك السعي لتحصيلهما مع القدرة على ذلك، حتى يدركه الموت بسبب الجوع أو
العطش، وترك الجهاد السني في سبيل الله والإنفاق فيه، الموجب لتسلط
الأعداء وقتلهم للمسلمين، أو تفجير الجسد في حشد من المسلمين بحجة
الانغماس في صفوف العدو ورفع راية الجهاد المقدس!،
وإذا كان تركُ الجهاد الشرعي لا البدعي والنفقةِ فيه، هو سبب نزول هذه
الآية، انظر في سبب نزولها: تفسير ابن كثير (1/331) ، والجامع لأحكام
القرآن (2/ 361 – 363)، وفتح القدير (1/193)، فإنه قد قال الشوكاني رحمه
الله: (والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، فكل ما صدق عليه
أنه تهلكة في الدين أو الدنيا، فهو داخل في هذا، وبه قال ابن جرير الطبري).
وجاءت السنة النبوية مؤكدة لما في القرآن، ومنذرة بالوعيد الشديد، والعذاب الأليم لمن قتل نفسه.
جاء في الصحيحين من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (كان فيمن كان قبلكم رجل به جُرح، فجزع، فأخذ
سكينًا، فحزّ بها يده، فما رقأ الدمُ حتى مات، قال الله تعالى: بادرني
عبدي بنفسه، حرّمت عليه الجنة).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه كما في الصحيحين قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (من قتل نفسه بحديدة، فحديدتُه في يده يتوجّأُ بها في بطنه في
نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن شرب سمًا، فقتل نفسه، فهو يتحساه
في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردّى من جبل فقتل نفسه، فهو
يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا).
وفي رواية للبخاري: (الذي يخنُقُ نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعُن نفسه، يطعُنُها في النار).
قلت: ومن فجّر نفسه في سيارة مفخخة في حشد من المسلمين في ديار الإسلام
يعذب بها في نار جهنم، ومن قتل نفسه بحزام متفجر يعذب به في نار جهنم
والعياذ بالله تعالى من سخطه وعذابه.
وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما.
فالله أسأل أن يبصر أبناءنا بخطر الفرق الضالة على دينهم ودنياهم، وأن
يرزقهم العقل الواعي الذي يفرقون به بين العدو الكافر والمقاتل، وبين جمع
من المسلمين في الأسواق والمدارس ومكاتب الإدارة لا يملك أحدهم مقلم أظافر.
وكتبه/ أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري كان الله تعالى في عونه ونصرته.

heeedi

ذكر
عدد الرسائل : 228
Localisation : تونس
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 16/01/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس Empty رد: فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس

مُساهمة من طرف اسلام 29.01.08 22:33

هذا الكتيب كاف للاجابة "العمليات الاستشهادية" للشيخ المجاهد يوسف بن صالح العييري رحمه الله و ساكتب منه القليل

التحميل من هنا

اسلام

ذكر
عدد الرسائل : 185
العمر : 53
Localisation : jhf
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 26/01/2008

بطاقة الشخصية
بداية: 10

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس Empty رد: فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس

مُساهمة من طرف اسلام 30.01.08 23:19

خلاصة
أقوال أهل العلم
وشروط جواز العمليات
الاستشهادية






تبين لنا من أقوال العلماء في مسألة الاقتحام على العدو منفرداً تعليقهم المسألة
بغلبة الظن ، أي أن من غلب على ظنه أنه يقتل في هذا الاقتحام ، أخذ حكم من سيقتل
قطعاً ، فمن أجاز الاقتحام مع غلبة الظن كمن أجاز الاقتحام مع اليقين الجازم
بالقتل .



وأيضاً
فإن جمهور العلماء علقوا جواز الاقتحام بشروط الأولى : الإخلاص ، والثاني وجود
النكاية بالعدو ، الثالث : إرهابهم ، الرابع : تقوية قلوب المسلمين .



وأجاز
القرطبي وابن قدامة الاقتحام بنية خالصة طلباً للشهادة فقط لأن طلب الشهادة أمر
مشروع ، و للمجاهد فيه غرض ، وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم
يشترطوا ما اشترطه الجمهور في جواز الاقتحام ، فإن المصير لقول القرطبي وابن قدامة
لا يبعد استحسانه ، لأننا لو أردنا أن نخرج من الأدلة التي جاءت بجواز هذا الفعل
ما يعضد قول الجمهور بأن العمل الفاقد للشروط ممنوع لم تستقم لهم دلالة الأدلة ،
إلا أنهم أخذوا ذلك من القواعد العامة للجهاد والعام لا يقضي على الخاص ، نعم نحن
نقول بأن ما لا فائدة فيه لا ينبغي عمله ، ولكن القول لمن لم يحقق الشروط المذكورة
أن عمله غير صحيح ولا محمود هذا ظلم ، لا سيما وأن هذه الشروط لم تأت بنصوص واضحة
ولا آثار صحيحة ولا قياس جلي ، فأصل الجواز مع فقدها موجود ولكنه خلاف الأولى ،
فلا ينبغي الإقدام على الشهادة فحسب بلا مقصود آخر يفيد المسلمين والمجاهدين .

اسلام

ذكر
عدد الرسائل : 185
العمر : 53
Localisation : jhf
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 26/01/2008

بطاقة الشخصية
بداية: 10

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس Empty رد: فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس

مُساهمة من طرف اسلام 30.01.08 23:20

فصل
في تعريف الشهيد






ذكر ابن حجر في الفتح 6/43 أربعة عشر وجهاً لسبب تسمية الشهيد بذلك ثم قال "
وبعض هذا يختص بمن قتل في سبيل الله ، وبعضها يعم غيره وبعضها قد ينازع فيه .




وعد النووي في المجموع 1/277 وشرح مسلم 1/515 سبعة أوجه فقال : هي 1- لأن الله
تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم شهدا له بالجنة ، 2- لأنه حي عند ربه ، 3- لأن
ملائكة الرحمة تشهده فتقبض روحه ، 4- لأنه ممن يشهد يوم القيامة على الأمم ، 5-
لأنه شُهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله ، 6- لأن له شاهداً بقتله وهو دمه
، 7- لأن روحه تشهد دار السلام
أي الجنة - ، وروح غيره لا تشهدها إلا يوم
القيامة .



أما تعريفه
الشهيد في اللغة
: كما جاء في القاموس الفقهي لسعيد أبو حبيب
202 هو : من شهد ويأتي بمعنى الشاهد ومن قتل في سبيل الله تعالى ويجمع على شهداء ،
وأشهاد ، ومنه الشاهد : الحاضر ويجمع على شهود وأشهاد ، وهو أيضاً من يؤدي الشهادة
.



أما الشهيد
في الاصطلاح فهو:




عند الحنفية : قال صاحب العناية شرح الهداية بهامش فتح القدير 2/142 وحاشية ابن
عابدين 2/268 قال : هو من قتله المشركون أو وجد مقتولاً في المعركة وبه أثر أية
جراحة ظاهرة أو باطنة كخروج الدم من العين أو نحوها .




وقالوا أيضاً في تبيين الحقائق للزيلعي 1/247: كل من صار مقتولاً في قتال أهل
الحرب أو البغاة أو قطاع الطريق بمعنى مضاف إلى العدو كان شهيداً ، بالمباشرة أو
التسبب ، وكل من صار مقتولاً بمعنى غير مضاف إلى العدو لا يكون شهيداً .



قال في البحر الرائق
2/211 : وفي التجنيس رجل قصد العدو ليضربه فأخطأ فأصاب نفسه فمات يغسل ، لأنه ما
صار مقتولا بفعل مضاف إلى العدو ولكنه شهيد فيما ينال من الثواب في الآخرة لأنه
قصد العدو لا نفسه ، وأطلق في قتله فشمل القتل مباشرة أو تسببا لأن موته مضاف
إليهم ، حتى لو أوطؤا دابتهم مسلما أو انفروا دابة مسلم فرمته أو رموه من السور أو
ألقوا عليه حائطا أو رموا بنار فأحرقوا سفنهم أو ما أشبه ذلك من الأسباب كان شهيدا
، ولو انفلتت دابة مشرك ليس عليها أحد فوطئت مسلما أو رمي مسلم إلى الكفار فأصاب
مسلما ، أو نفرت دابة مسلم من سواد الكفار أو نفر المسلمون منهم فألجئوهم إلى خندق
أو نار أو نحوه أو جعلوا حولهم الشوك فمشى عليها مسلم فمات بذلك لم يكن شهيدا ،
خلافا لأبي يوسف لأن فعله يقطع النسبة إليهم وكذا فعل الدابة دون حامل ، وإنما لم
يكن جعل الشوك حولهم تسبيبا لأن ما قصد به القتل فهو تسبيبي وما لا فلا وهم إنما
قصدوا به الدفع لا القتل .




عند المالكية : قال الدردير في الشرح الكبير 1/425 هو : من قتل في قتال الحربيين
فقط ، ولو قتل ببلد الإسلام بأن غزا الحربيون المسلمين ، أو لم يقاتل بأن كان
غافلاً أو نائماً ، أو قتله مسلم يظنه كافراً ، أو داسته الخيل ، أو رجع عليه سيفه
أو سهمه ، أو سقط في بئر أو سقط من شاهق حال القتال .




عند الشافعية : قال ابن حجر في الفتح 6/129 هو : من قتل في حرب الكفار مقبلاً غير
مدبر مخلصاً .




وقال في مغني المحتاج 1/350 : هو الذي يقتل في قتال الكفار مقبلاً غير مدبر لتكون
كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى دون عرض من أعراض الدنيا .




عند الحنابلة : قال صاحب كشاف القناع 2/113 بتصرف هو : الذي يموت في المعترك مع
الكفار ، رجلاً كان أو امرأة بالغاً أو غير بالغ ، سواء قتله الكفار ، أو عاد عليه
سلاحه فقتله ، أو سقط عن دابته ، أو وجد ميتاً ولا أثر به إذا كان مخلصاً .



قال ابن قدامة في
المغني 2/206 : فإن كان الشهيد عاد عليه سلاحه فقتله فهو كالمقتول بأيدي العدو ،
وقال القاضي يغسل ويصلى عليه لأنه مات بغير أيدي المشركين أشبه ما لو أصابه ذلك في
غير المعترك ، ولنا ما روى أبو داود عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال
أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم فضربه فأخطأه ، فأصاب نفسه
بالسيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخوكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس
فوجدوه قد مات فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه )
فقالوا يا رسول الله أشهيد هو ؟ قال ( نعم وأنا له شهيد ) وعامر بن الأكوع بارز
مرحبا يوم خيبر فذهب يسفل له فرجع سيفه على نفسه فكانت فيها نفسه ، فلم يفرد عن
الشهداء بحكم ولأنه شهيد المعركة فأشبه ما لو قتله الكفار .



ومما تقدم
من تعريف الشهيد يتبين أن الجمهور خلافاً للحنفية لم يجعلوا لليد الفاعلة للقتل
دوراً في تحقق الشهادة ، سوى ما جاء عند الحنفية بأن الشهيد الذي قتله المشركون أو
وجد قتيلاً في أرض المعركة .



وقول
الجمهور هو الراجح ، وقول الحنفية يرده ما جاء في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي
الله عنه قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر.. ثم ذكر الحديث .. وفيه
( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا السائق قالوا عامر بن الأكوع
أخو سلمة - قال يرحمه الله ، قال رجل من
القوم وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا به ، فلما تصاف القوم كان سيف عامر قصيراً ،
فتناول به ساق يهودي ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه ، قال
فلما قفلوا قال سلمة رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحباً وهو آخذ بيدي قال (
ما لك ؟ ) قلت له فداك أبي وأمي زعموا أن عامراً حبط عمله ، قال ( من قاله ؟ ) قلت
قاله فلان وفلان وفلان وأسيد بن الحضير الأنصاري ، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ( كذب من قاله إن له لأجرين وجمع بين إصبعيه إنه لجاهد مجاهد ) .




وروى أبو داود في سننه حديث 2539 عن أبي سلام عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم قال : أغرنا على حي من جهينة ، فطلب رجل من المسلمين رجلاً منهم فأخطأه ،
وأصاب نفسه بالسيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخوكم يا معشر المسلمين
) فابتدره الناس فوجدوه قد مات ، فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه
وصلى عليه ودفنه ، فقالوا يا رسول الله ، أشهيد هو ؟ قال ( نعم وأنا عليه شهيد ) ؛
وبهذا يتبين أنه ليس شرطاً أن يقتل المجاهد بسلاح العدو حتى يقال عنه شهيد ، إنما
الشهيد من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، وقتل في أرض المعركة بأية طريقة كانت
فإنه ينطبق عليه وصف الشهيد ، ومن توقف عن القول بجواز العمليات الاستشهادية شبهته
فيها أن المجاهد يقتل نفسه ، فتوقفه ليس له ما يبرره ، فإن كان توقف لهذه الشبهة
فليعلم أنه لا تأثير لها في استحقاق الشهيد للشهادة .



فالشرع
يفرق بين حكم متماثلين ظاهراً بسبب القصد والنية ، فهذا زواج المحلِل محرم والزواج
الشرعي مباح ، والسبب أن قصد المحلِل التحليل أو هو قصد للطرفين سواءً سراً أو
علانية ، فأثرت النية في العقد فأبطلته ، وحينما فارقت النية المنهي عنها العقد في
الزواج الشرعي جاز ذلك العقد ، وكذلك اللفظ أو العرف أو الإشارة تؤثر بالعقود ،
فلو أن رجلاً اقترض من آخر ألف روبل وأراد أن يردها له ألفاً ومائة بدون اتفاق
جزاءً له بالحسنى فهذا جائز ، ولكنه لو اتفق معه أو أشار له أو تعارف أهل البلد
بأنه لا بد من رد القرض أكثر من أصله لكان ذلك رباً محرماً ، وأيضاً لو صلى إمام
رياءً وخلفه مأموم مخلص ، لبطلت صلاة الإمام وقبلت صلاة المأموم ، فالعمدة في ذلك
قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء عن عمر في الصحيحين ( إنما الأعمال بالنيات
وإنما لكل امرئ ما نوى ) .



فالنية هي
مناط تغير الحكم والتفريق بين المتماثلين ظاهراً في الأحكام الشرعية ، ومن
المتماثلات لقتيل المعركة التي فرق بينها الشارع ، قول الرسول صلى الله عليه وسلم
كما جاء في الصحيحين عن أبي موسى ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل
الله ) فهذا بينه وبين من قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فرق رغم تشابه الظاهر
، وهو ما جاء عند مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ( أول ثلاثة تسعر بهم النار فذكر منهم مجاهد وقال : ( فيؤتى به فيعرف نعمة
الله فيعرفها فيقال ماذا فعلت فيقول قاتلت فيك فيقول كذبت بل قاتلت ليقال شجاع
فيؤخذ فيلقى في النار على وجهه ) ، فهذا ظاهره يشبه ظاهر من قاتل لتكون كلمة الله هي
العليا ، ولكنه لاختلاف الباطن استحق النار والأول استحق الجنة .



وجاء
أيضاً في التفريق بين المتشابهين في الظاهر ، ما رواه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة غزاها ( من أحب أن ينظر إلى الرجل من أهل
النار فلينظر إلى هذا ) ، فاتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على
المشركين حتى جرح فاستعجل الموت فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه ،
فأقبل الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً فقال أشهد أنك رسول الله فقال (
وما ذاك ؟ ) قال قلت لفلان من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه ،
وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين فعرفت أنه لا يموت على ذلك فلما جرح استعجل الموت
فقتل نفسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك ( إن العبد ليعمل عمل أهل النار
وإنه من أهل الجنة ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار وإنما الأعمال بالخواتيم
) ، ومثيل لهذا ظاهراً ما جاء في الصحيحين وقد قدمناه بأن عامر ابن الأكوع ارتد
عليه سيفه فقُتل بسيفه وفعل نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ( إنه
شهيد وأنا عليه شهيد ) ، فالأول قُتل بسلاحه في أرض المعركة جزعاً فوجبت له النار
، والثاني قتل بسلاحه في أرض المعركة خطأ فوجبت له الجنة



هذه
الأمثلة تدل دلالة واضحة على أن الحكم الشرعي للشهيد لا يتغير ولا يعتبر باليد
القاتلة للمجاهد ، ولا بأداة القتل إذا كان ذلك لوجه الله و بنية خالصة لإعلاء
كلمة الله ، فالذي قتله العدو مع سوء نيته كان في النار ، وآخر قتله العدو مع
إخلاصه فهو في الجنة ، وآخر قتل نفسه جزعاً فهو في النار ، والرابع قتل نفسه خطأً
فهو في الجنة ، والذي أعان على قتل نفسه لنشر الدين فهو في الجنة كالغلام ، وفيما
قدمنا من أدلة عبرة للمعتبر وبيان لمن أراد الحق .

اسلام

ذكر
عدد الرسائل : 185
العمر : 53
Localisation : jhf
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 26/01/2008

بطاقة الشخصية
بداية: 10

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس Empty رد: فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس

مُساهمة من طرف اسلام 30.01.08 23:26

فصل
في تعريف المنتحر






الانتحار في اللغة
: هو قتل النفس كما جاء في القاموس المحيط
616.




وفي الشرع

: هو أن يقتل الإنسان نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال ، أو
قتل النفس في غضب أو ضجر أو جزع ، أو يقال كل قتل للنفس بغير دافع ديني مجاز
بالنصوص .




وهذا العمل لا خلاف بين العلماء على تحريمه وأن صاحبه مرتكب لكبيرة مستحق للنار
إما خالداً فيها إذا استحل ذلك ، أو يمكث فيها بغير خلود .




قال تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ، ومن يفعل ذلك عدواناً
وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيرا ) .




قال القرطبي في تفسيره 5/156 ( ولا تقتلوا ) أنفسكم فيه مسألة واحدة قرأ الحسن
تقتلوا على التكثير ، وأجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي أن يقتل
بعض الناس بعضا ، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه ، بقصد منه للقتل في الحرص
على الدنيا وطلب المال أن يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى التلف ، ويحتمل أن يقال
ولا تقتلوا أنفسكم في حال ضجر أو غضب فهذا كله يتناوله النهي ، وقد احتج عمرو بن
العاص بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد حين أجنب في غزوة ذات
السلاسل خوفاً على نفسه منه فقرر النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه وضحك عنده ولم
يقل شيئا . انتهى




وفي الصحيحين عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح ، فجزع فأخذ سكيناً فجز بها يده ، فما رقأ
الدم حتى مات ، قال تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ) . فهذا جزع من
الجرح وضجر وفر من الألم والأذى الذي لحق به فلم يصبر ، فتعجل وقتل نفسه ليخلصها
من ألم الدنيا ، فكان جزاؤه أن حرم الله عليه الجنة ، على اختلاف بين العلماء في
تفسير هذا التحريم أهو أبدي أم لا .




وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ( الذي يخنق نفسه يخنقها في النار ، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار ) .




والأحاديث الصحيحة الصريحة في هذا المعنى كثيرة ، بل إن الشرع قد نهانا عما هو أقل
من ذلك ، فنهى الرجل أن يتمنى الموت لضر نزل به ، فإذا كان تمني الموت منهي عنه
محرم ، فكيف بقتل النفس بسبب ضر نزل به ؟ .




جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا
يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه ، فإن كان ولا بد فاعلاً ، فليقل : اللهم أحيني ما
كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ) .




وروى البخاري أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ( لا يتمنين أحدكم الموت ، إما محسناً فلعله يزداد ، وإما مسيئاً فلعله
يستعتب ) .




كل هذه النصوص التي وردت بحرمة قتل النفس أو تمني الموت علقت بسبب الضر أو الجزع
أو عدم الصبر وكل ذلك حرصاً على الدنيا ، وليس لأجل مصلحة الدين وإعلاء كلمة الله
، فعموم هذه الأدلة لا تصلح لأن تجرى على من اقتحم على العدو وحده وكان سبباً
رئيسياً بقتل نفسه ، لأن الأدلة التي تجيز الانغماس في العدو حاسراً مع تيقن الموت
و سقناها في أول البحث تخرج من ابتغى وجه الله وأراد الآخرة وقصد إعلاء كلمة الله
من عموم نصوص النهي عن قتل النفس ففرق بين المنتحر للدنيا ومن غمس يده في العدو
لإعلاء كلمة الدين مع تيقن الموت .



لذا هل يقال عمن قتل نفسه
لإعلاء كلمة الله ونكاية في أعداء الله وإرهاباً لهم بنية خالصة فهل من
العدل أن يقال عنه أنه منتحر ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .



ولقد سقنا هذا الفصل
لما رأينا أن أعظم سبب توقف من أجله الممتنعون عن القول بجواز العمليات
الاستشهادية هو أن منفذ العملية الاستشهادية يقتل نفسه بالمباشرة ، ويتبين ضعف هذا
المانع إذا عرفنا مناط تحريم قتل النفس أو تمني الموت
.




فنقول إن الله سبحانه
وتعالى حينما حرم قتل النفس كان ذلك التحريم لأن قتل النفس هو نتيجة للجزع وعدم
الصبر على البلاء وإيثار الحياة الدنيا على الآخرة ، وكل هذا ناتج عن انتفاء
الإيمان أو نقصه ، ومنفذ العملية الاستشهادية عندما قتل نفسه هل قتلها من أجل هذه
الدوافع ؟ بالطبع لا ، بل إن ذلك منتف عنه ، ولم يقدم على ما أقدم عليه إلا لقوة
إيمانه بالغيب وليقينه بما عند الله ولحبه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولدينه
، ومما يدل على أن مناط تحريم قتل النفس ليس لذاته بل لما يسبقه من عدم إيمان
بالقدر أو لنقصه ، فعل الغلام ( الدليل 4 ) فهو قاتل لنفسه وقد أثنى الشارع
عليه لأنه لم يقدم على ذلك إلا رغبة بما عند الله ونصراً لدينه ، وهذا لا يصدر ممن
لم يؤمن بالله ، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن تمني الموت لضر نزل
بالعبد وقد تمنى هو الموت في سبيل الله ثلاثاً ، فجاز ذلك لأنه ما تمناه إلا مع
كمال الإيمان ، وكذلك ما روي في الصحيحين عن أبي هريرة أن الرجل في آخر الزمان يمر
على القبر فيقول يا ليتني مكانك ، فهذا تمني للموت ممدوح قائله ، لأنه ما قاله إلا
بسبب فساد الزمان وسوء الأحوال ، ولم يتألم لذلك إلا لأن قلبه مليء بالإيمان فتمنى
الموت ، فجاز له ذلك ولا تدخل هذه الصورة في النهي عن تمني الموت ، وهذا ما اشتهر
عن الصحابة ، والأدلة المبينة لمناط التحريم كثيرة ولا نطيل بذكرها .



إذاً تبين مما سبق من
أدلة أن مناط تحريم قتل النفس أو تمني الموت لا لذات الفعل فحسب بل لما يصاحبه من
عدم إيمان بالقدر إما نقص كمال أو انتفاء بالكلية ، ومتى انتفى المناط وهو عدم
الإيمان بالقدر المصاحب لقتل النفس أو تمني الموت جاز ذلك الفعل للمصلحة والحاجة ،
فما كل قتل للنفس محرم ، لأن التحريم معلق بعمل القلب فمن تسبب نقص إيمانه أو
انتفائه بهذا الفعل كان الفعل له محرماً ، ومن تسبب زيادة إيمانه ويقينه
بالله بهذا الفعل كان الفعل له ممدوحاً ويؤجر عليه .

اسلام

ذكر
عدد الرسائل : 185
العمر : 53
Localisation : jhf
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 26/01/2008

بطاقة الشخصية
بداية: 10

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس Empty رد: فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس

مُساهمة من طرف قول الصوارم 31.01.08 18:27

بارك الله فيك اسلام لقد كفيت و وفيت, لكنه سيقول لك أن الشيخ يوسف العييري رحمه الله من الخوارج
ولكني سأنقل له فتوى من الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي
و أرجو أن لا يخالف قوله كما يخالف الخوارج أقوال علماءهم على حد قوله


عدل سابقا من قبل في 31.01.08 18:31 عدل 1 مرات

قول الصوارم

ذكر
عدد الرسائل : 432
العمر : 39
Localisation : هنا
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 26/12/2007

بطاقة الشخصية
بداية: 10

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس Empty رد: فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس

مُساهمة من طرف قول الصوارم 31.01.08 18:28

بسم الله الرحمن الرحيم .

فتوى الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي في العمليات الاستشهادية.

فضيلة الشيخ / حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله من كل سوء يقوم المجاهدون في فلسطين والشيشان وغيرهما من بلاد المسلمين بجهاد أعدائهم والإثخان بهم بطريقة تسمى العمليات الاستشهادية .. وهذه العمليات هي ما يفعله المجاهدون من إحاطة أحدهم بحزام من المتفجرات، أو ما يضع في جيبه أو أدواته أو سيارته بعض القنابل المتفجرة ثم يقتحم تجمعات العدو ومساكنهم ونحوها، أو يظهر الاستسلام لهم ثم يقوم بتفجير نفسه بقصد الشهادة ومحاربة العدو والنكاية به.

فما حكم مثل هذه العمليات؟ وهل يعد هذا الفعل من الانتحار؟ وما الفرق بين الانتحار والعمليات الاستشهادية؟ جزاكم الله خيرا وغفر لكم ..

الجواب ..

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:ـ

قبل الإجابة على هذا السؤال لابد أن تعلم أن مثل هذه العمليات المذكورة من النوازل المعاصرة التي لم تكن معروفة في السابق بنفس طريقتها اليوم ، ولكل عصر نوازله التي تحدث فيه ، فيجتهد العلماء على تزيلها على النصوص والعموميات والحوادث والوقائع المشابهة لها والتي أفتى في مثلها السلف ، قال تعالى: { ما فرطنا في الكتاب من شيء } وقال عليه الصلاة والسلام عن القرآن: { فيه فصل ما بينكم }، وان العمليات الاستشهادية المذكورة عمل مشروع وهو من الجهاد في سبيل الله إذا خلصت نية صاحبه وهو من انجح الوسائل الجهادية ومن الوسائل الفعّالة ضد أعداء هذا الدين لما لها من النكاية وإيقاع الإصابات بهم من قتل أو جرح ولما فيها من بث الرعب والقلق والهلع فيهم، ولما فيها من تجرئة المسلمين عليهم وتقوية قلوبهم وكسر قلوب الأعداء والإثخان فيهم ولما فيها من التنكيل والإغاضة والتوهين لأعداء المسلمين وغير ذلك من المصالح الجهادية.

ويدل على مشروعيتها أدلة من القرآن والسنة والإجماع ومن الوقائع والحوادث التي تنـزّل عليها وردت وأفتى فيها السلف كما سوف نذكره إن شاء الله .

أولا :ـ الأدلة من القرآن:

(1) ـ منها قوله تعالى: { ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤف بالعباد }، فإن الصحابة رضي الله عنهم أنزلوها على من حمل على العدو الكثير لوحده وغرر بنفسه في ذلك ، كما قال عمر بن الخطاب وأبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة رضي الله عنهم كما رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم، [ تفسير القرطبي 2 / 361 ].

(2) ـ قوله تعالى: { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون .. } الآية، قال ابن كثير رحمه الله: حمله الأكثرون على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله.

(3) ـ قوله تعالى: { واعدوا لهم ما استطعتم من قوة من رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم }، والعمليات الاستشهادية من القوة التي ترهبهم.

(4) ـ قال تعالى في الناقضين للعهود: { فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون }.


ثانيا : الأدلة من السنة :

(1) ـ حديث الغلام وقصته معروفة وهي في الصحيح ، حيث دلهم على طريقة قتله فقتلوه شهيدا في سبيل الله ، وهذا نوع من الجهاد ، وحصل نفع عظيم ومصلحة للمسلمين حيث دخلت تلك البلاد في دين الله ، إذ قالوا: آمنا برب الغلام ، ووجه الدلالة من القصة أن هذا الغلام المجاهد غرر بنفسه وتسبب في ذهابها من أجل مصلحة المسلمين ، فقد علّمهم كيف يقتلونه ، بل لم يستطيعوا قتله إلا بطريقة هو دلهم عليها فكان متسبباً في قتل نفسه ، لكن أُغتفر ذلك في باب الجهاد ، ومثله المجاهد في العمليات الاستشهادية ، فقد تسبب في ذهاب نفسه لمصلحة الجهاد ، وهذا له أصل في شرعنا ، إذ لو قام رجل واحتسب وأمر ونهى واهتدى الناس بأمره ونهيه حتى قتل في ذلك لكان مجاهدا شهيدا ، وهو مثل قوله عليه الصلاة والسلام. افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.

(2) ـ فعل البراء بن مالك في معركة اليمامة ، فإنه اُحتمل في تُرس على الرماح والقوة على العدو فقاتل حتى فتح الباب ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، وقصته مذكورة في سنن البيهقي في كتاب السير باب التبرع بالتعرض للقتل [ 9 / 44 ] وفي تفسير القرطبي [ 2 / 364 ] أسد الغابة [ 1 / 206 ] تاريخ الطبري.

(3) ـ حمل سلمة ابن الأكوع والأخرم الأسدي وأبي قتادة لوحدهم على عيينة بن حصن ومن معه ، وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ( خير رجّالتنا سلمة ) متفق عليه.، قال ابن النحاس : وفي الحديث الصحيح الثابت: أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده وان غلب على ظنه انه يقتل إذا كان مخلصا في طلب الشهادة كما فعل سلمة بن الأخرم الأسدي ، ولم يعب النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينه الصحابة عن مثل فعله ، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل وفضله فإن النبي عليه الصلاة والسلام مدح أبا قتادة وسلمة على فعلهما كما تقدم، مع أن كلاً منهما قد حمل على العدو وحده ولم يتأنّ إلى أن يلحق به المسلمون اهـ مشارع الأشواق [ 1 / 540 ].

(4) ـ ما فعله هشام بن عامر الأنصاري لما حمل بنفسه بين الصفين على العدو الكثير فأنكر عليه بعض الناس وقالوا : ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة رضي الله عنهما وتليا قوله تعالى { ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله .. } الآية، مصنف ابن أبي شيبة [ 5 / 303 ، 322 ] سنن البيهقي [ 9 / 46 ].

(5) ـ حمل أبي حدرد الأسلمي وصاحبيه على عسكر عظيم ليس معهم رابع فنصرهم الله على المشركين ذكرها ابن هشام في سيرته وابن النحاس في المشارع [ 1 /545 ].

(6) ـ فعل عبد الله بن حنظلة الغسيل حيث قاتل حاسراً في إحدى المعارك وقد طرح الدرع عنه حتى قتلوه ، ذكره ابن النحاس في المشارع [ 1 / 555 ].

(7) ـ نقل البيهقي في السنن [ 9 / 44 ] في الرجل الذي سمع من أبي موسى يذكر الحديث المرفوع : الجنة تحت ظلال السيوف. فقام الرجل وكسر جفن سيفه وشد على العدو ثم قاتل حتى قتل.

(8) ـ قصة أنس بن النضر في وقعة أحد قال : واهاً لريح الجنة ، ثم انغمس في المشركين حتى قتل. متفق عليه

ثالثا : الإجماع:

نقل ابن النحاس في مشارع الأشواق [ 1 / 588 ] عن المهلب قوله: قد أجمعوا على جواز تقحم المهالك في الجهاد ، ونقل عن الغزالي في الإحياء قوله: ولا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل وإن علم أنه يقتل.

ونقل النووي في شرح مسلم الاتفاق على التغرير بالنفس في الجهاد ، ذكره في غزوة ذي قرد [ 12 / 187 ].
هذه الحوادث السبع السابقة مع ما نُقل من الإجماع هي المسألة التي يسميها الفقهاء في كتبهم مسألة حمل الواحد على العدو الكثير ، وأحيانا تسمى مسألة الانغماس في الصف ، أو مسألة التغرير بالنفس في الجهاد .

قال النووي في شرح مسلم باب ثبوت الجنة للشهيد [ 13 / 46 ] قال: فيه جواز الانغمار في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء. اهـ ، ونقل القرطبي في تفسيره جوازه عن بعض علماء المالكية [ أي الحمل على العدو ] حتى قال بعضهم: إن حمل على المائة أو جملة العسكر ونحوه وعلم وغلب على ظنه أنه يقتل ولكن سينكي نكاية أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز أيضا، ونقل أيضا عن محمد بن الحسن الشيباني قال: لو حمل رجل واحد على الألف من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو ، تفسير القرطبي [ 2 / 364 ] .

ووجه الاستشهاد في مسألة الحمل على العدو العظيم لوحده وكذا الانغماس في الصف وتغرير النفس وتعريضها للهلاك أنها منطبقة على مسألة المجاهد الذي غرر بنفسه وانغمس في تجمع الكفار لوحده فأحدث فيهم القتل والإصابة والنكاية.


يتبع...

قول الصوارم

ذكر
عدد الرسائل : 432
العمر : 39
Localisation : هنا
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 26/12/2007

بطاقة الشخصية
بداية: 10

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس Empty رد: فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس

مُساهمة من طرف قول الصوارم 31.01.08 18:32

وقائع وحوادث تنـزل عليها العمليات الاستشهادية:

أولا مسألة التترس:

فيما لو تترس جيش الكفار بمسلمين واضطر المسلمون المجاهدون حيث لم يستطيعوا القتال إلا بقتل التُرس من المسلمين جاز ذلك ، قال ابن تيمية في الفتاوى [ 20 / 52 ] [ 28 / 537، 546] قال: ولقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم .. اهـ ، وقال ابن قاسم في حاشية الروض [ 4 / 271 ] قال في الإنصاف: وإن تترسوا بمسلم لم يجز رميهم إلا أن نخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار وهذا بلا نزاع. اهـ

ووجه الدلالة في مسألة التترس لما نحن فيه أنه يجوز للتوصل إلى قتل الكفار أن نفعل ذلك ولو كان فيه قتل مسلم بسلاح المسلمين وأيدي المسلمين ، وجامع العلة والمناط أن التوصل إلى قتل العدو والنكاية به إنما يكون عن طريق قتل التُرس من المسلمين فحصل التضحية ببعض المسلمين المتترس بهم من أجل التوصل إلى العدو والنكاية به ، وهذا أبلغ من إذهاب المجاهد نفسه من العمليات الاستشهادية من أجل التوصل إلى العدو والنكاية به ، بل إن قتل أهل التُرس من المسلمين أشد لأن قتل المسلم غيره أشد جرما من قتل المسلم لنفسه ، لأن قتل الغير فيه ظلم لهم وتعدٍ عليهم فضرره متعد وأما قتل المسلم نفسه فضرره خاص به ولكن اُغتفر ذلك في باب الجهاد وإذا جاز إذهاب أنفس مسلمة بأيدي المسلمين من أجل قتل العدو فإن إذهاب نفس المجاهد بيده من أجل النكاية في العدو مثله أو أسهل منه ، فإذا كان فعل ما هو أعظم جرما لا حرج في الإقدام عليه فبطريق الأولى ألا يكون حرجا على ما هو أقل جرما إذا كان في كليهما المقصد هو العدو والنكاية لحديث: إنما الأعمال بالنيات.

وفي هذا رد على من قال في مسألة الانغماس والحمل على العدو أن المنغمس يُقتل بأيدي الكفار وسلاحهم ! فنقول ومسألة التترس يقتل بأيدي المسلمين وسلاحهم ومع ذلك لم يعتبروا قتل المسلمين المتترس بهم من باب القتل الذي جاء الوعيد فيه.

ثانيا : مسألة البيات:

ويقصد بها تبيت العدو ليلا وقتله والنكاية فيه وإن تضمن ذلك قتل من لا يجوز قتله من صبيان الكفار ونسائهم ، قال ابن قدامة : يجوز تبييت العدو ، وقال أحمد : لا بأس بالبيات وهل غزو الروم إلا البيات ، وقال : لا نعلم أحداً كره البيات. المغني مع الشرح [ 10 / 503 ].

ووجه الدلالة أنه إذا جاز قتل من لا يجوز قتله من أجل النكاية في العدو وهزيمته فيقال : وكذلك ذهاب نفس المجاهد المسلم التي لا يجوز إذهابها لو ذهبت من أجل النكاية جائز أيضا ، ونساء الكفار وصبيانهم في البيات قتلوا بأيدي من لا يجوز له فعله لولا مقاصد الجهاد والنيات.

الخلاصة ...

دل ما سبق على أنه يجوز للمجاهد التغرير بنفسه في العملية الاستشهادية وإذهابها من أجل الجهاد والنكاية بهم ولو قتل بسلاح الكفار وأيديهم كما في الأدلة السابقة في مسألة التغرير والانغماس، أو بسلاح المسلمين وأيديهم كما في مسألة التترس أو بدلالةٍ تسبب فيها إذهاب نفسه كما في قصة الغلام ، فكلها سواء في باب الجهاد لأن باب الجهاد لما له من مصالح عظيمة اُغتفر فيه مسائل كثيرة لم تغتفر في غيره مثل الكذب والخداع كما دلت السنة، وجاز فيه قتل من لا يجوز قتله، وهذا هو الأصل في مسائل الجهاد ولذا أُدخلت مسألة العمليات الاستشهادية من هذا الباب.

أما مسألة قياس المستشهد في هذه العمليات الاستشهادية بالمنتحر فهذا قياس مع الفارق ، فهناك فروق بينهما تمنع من الجمع بينهما ، فهناك فرق بين المنتحر الذي يقتل نفسه جزعا وعدم صبر أو تسخطا على القدر أو اعتراضا على المقدور واستعجالا للموت أو تخلصا من الآلام والجروح والعذاب أو يأسا من الشفاء بنفس خائفة يائسة ساخطة في غير ما يرض الله وبين نفس المجاهد في العملية الاستشهادية بنفس فرحة مستبشرة متطلعة للشهادة والجنة وما عند الله ونصرة الدين والنكاية بالعدو والجهاد في سبيله لا يستوون، قال تعالى { أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون } وقال تعالى { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } وقال تعالى { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون }.

نسأل الله أن ينصر دينه ويعز جنده ويكبت عدوه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أملاه فضيلة الشيخ
أ . حمود بن عقلاء الشعيبي
2 / 2 / 1422 هـ.

قول الصوارم

ذكر
عدد الرسائل : 432
العمر : 39
Localisation : هنا
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 26/12/2007

بطاقة الشخصية
بداية: 10

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس Empty رد: فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس

مُساهمة من طرف mohamed 01.02.08 16:45

كنت سأكتب ردا لكن الأخ اسلام كفاني ذلك

بارك الله فيه
mohamed
mohamed
Admin

ذكر
عدد الرسائل : 517
العمر : 34
Localisation : Tunis
نقاط : 10
تاريخ التسجيل : 29/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس Empty رد: فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس

مُساهمة من طرف اسلام 01.02.08 23:23

و فيكم بارك الله

اسلام

ذكر
عدد الرسائل : 185
العمر : 53
Localisation : jhf
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 26/01/2008

بطاقة الشخصية
بداية: 10

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس Empty رد: فرق بين الانغماس في صفوف العدو الكافر والمقاتل، وتفجير النفس

مُساهمة من طرف ror 02.02.08 10:26

انتظرت ردا قويا منك أخي محمد


lol!

ror

عدد الرسائل : 681
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 28/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى