منتدى الحوار والإصلاح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

درب الفساد من رأس جدير إلى زغوان

اذهب الى الأسفل

درب الفساد من رأس جدير إلى زغوان Empty درب الفساد من رأس جدير إلى زغوان

مُساهمة من طرف ror 17.04.08 10:54

درب الفساد من رأس جدير إلى زغوان


لطفي حيدوري
رغم ما يحيط بموضوع الرشوة من حرج قانوني وأخلاقي فإنّ واقع هذا الفساد لم يعد يخفى على أحد طالما أصبح أمرا متداولا ومقبولا لا يتوانى متعاطوه عن الحديث عن المصالح المتحققة به كسرعة الإجراءات وتحقيق الأماني وتخفيف الأداءات والإفلات القانوني… شيئا فشيئا يتحول الفساد إلى مؤسسة موازية اقتصادية أو إدارية وربّما قانونية، بما جعل الأمر يجري في منتهى "الشفافية" ويا للمفارقة.
من يبادر بالرشوة ؟ بحث لا طائل منه كسؤال البيضة والدجاجة، وفي الحالتين سيدعي الطرفان أنّهما ضحية.
لم نجد صعوبة كبيرة في الحصول على شهادات من دافعي الرشوة وهم يحفظون الأسماء جيدا والمواقع، ومع الأسف يدافع ضحايا الرشوة عن ممارستها ويسعون لحمايتها والتستر على المسؤولين وقلة هم الذين أبلغوا عن وقائع من هذا النوع.

بضاعة تحتسب بثمن الرشوة
يقول العارفون بالسوق الليبية إنّ البضاعة المجلوبة من هناك يحتسب ثمنها كالآتي: الثمن الأصلي زائد ما دفع على بوابة”رأس جدير” زائد ما يدفع على نقاط دوريات التفتيش داخل البلاد. فالمعادلة بحسب أحد التجار المتعودين على السوق الليبية أنّ البضاعة تشترى ثلاث مرات قبل بيعها في تونس وهذا ما يؤخذ بعين الاعتبار قبل التوجه إلى ليبيا.
وسنرصد في هذا السياق قصّة أحد التجار التقينا به وقدم لنا رواية عجيبة انطلقت أحداثها على مشارف بوابة راس جديرا إيابا من ليبيا برفقة سائق "عارف بأسرار الطريق".
المرور بالديوانة الليبية لا يشكل صعوبة تذكر فالدولة الليبية مستفيدة في جميع الحالات باعتبار هؤلاء التجار والمتسوقين قد أنعشوا السوق الليبية، إذ يتم عادة تسهيل المرور دون الخضوع لتفتيش كامل وعادة ما تكون الإجراءات سهلة. ولكن هذا لا يمنع من إمكانية تباطؤ الإجراءات أو طلب فحص كامل محتوى الحمولة، وفي هذه الحالة ينزل السائق ويتبادل الحديث مع الموظف ثم يتظاهر بتقديم جواز سفره ويدس ورقة نقدية من العملة التونسية بين الصفحات أو مرفقة بالجواز أو يضعها مباشرة في جيب الموظف. ولا يتجاوز المقدار عادة خمسة دنانير بالعملة التونسية.
أمّا على البوابة التونسية فالأمر مختلف فالجميع مطالب بتسجيل كل أمتعته على ورقة ويتم النظر في مطابقة ذلك للواقع وفرز ما هو مسموح به من الممنوع وممّا يتطلب معاليم ديوانية.
والبضائع القادمة من ليبيا أصناف :
المسموح بها من ملابس وأغطية ومفروشات وأدوات منزلية
الممنوعة من مواد تجميل وأدوية وقطع غيار وتبغ وذهب...
وقد يصبح المسموح به ممنوعا إذا كان بكميات كبيرة معدة للتجارة دون وجود فواتير.
وفي العادة لا يرغب المسافرون أن يتم فحصهم فهم يغالطون في ما دوّنوه من قائمات الأمتعة ومستعجلون للمغادرة بعد مشقة سفر ويخشون مصادرة بعض الممنوعات المدسوسة بين الطيات. وهذا في صورة ما إذا كانت البضائع بحجم معقول غير لافت يمكن ادّعاء كونها للاستعمال الخاص أو تهيّؤا لحفل زفاف. وفي هذا الحالة دأب العابرون على تعريفة مرور تدفع للموظف الديواني تقدر بعشرين دينارا فلا يقرب الحمولة ولكنّه ينبّهك إلى أنّه تغاضى عن مغالطاتك في القائمة التي دونتها وأنّك تتحمل مسؤوليتك عند الدوريات الأخرى على الطريق داخل البلاد من حرس ديواني وأمن مرور.
ويشير محدثي إلى أنّ هذا لا يحدث دائما ففي حالة وجود ما يسمى بالدوريات المشتركة أو دورية التفقد فأولى الصعوبات هي طابور الانتظار الطويل ورتابة الفحص.
ولكن هناك فئة تخضع في جميع الحالات للتفتيش وذلك بدرجة أولى عندما تكون أكوام السلع المشدودة فوق وسائل النقل عالية ضخمة. وقد يقاد إلى التفتيش سائق غير مألوف لدى البوابة أو مسافر لم يحسن التصرف مع الموظفين.
ويتم التفتيش داخل مرآب كبير تساق إليه وسائل النقل، وترتبط عملية التفتيش بطبيعة علاقة المفتش بالسائق أو منظم الرحلة الذي عادة ما يكون امرأة أو تاجر معروف. ومن المفروض أنّ كل سيارة يتم إنزال جميع محتوياتها ولكن السائق والمسافر يتلكؤون في إنزال البضائع... إمّا في انتظار قدوم الموظف الديواني المتعودين على المعاملة معه أو بصدد مناقشة تسوية شخصية مرضية. فإذا تم ذلك لا يجري فحص دقيق لمحتوى الحمولة إنّما تقييم عام لتنطلق المفاوضات على السعر. ويبادر الموظف بطلب مبلغ ويدور النقاش حتى التوصل إلى حل وسط بالتراضي. وبعد الاتفاق يتم ختم الجذاذات "الوهمية" والإذن بالمغادرة. ويختلف المعلوم فكل وسيلة نقل ولها مقابل تدفعه (حافلة أو سيارة أجرة تونسية أو ليبية أو سيارة خاصة) وقد يصل المبلغ أحيانا إلى 500 دينار.
أمّا إذا لم يتم الاتفاق يرفض الموظف التفتيش ويتركهم في الانتظار لفترة قد تدوم ساعات إلى أن يلينوا.
وفي هذا السياق يلعب العامل الجهوي دوره فعادة ما يسأل المواطنون عن فلان وأوقات عمله ويتحدثون عن القرابة به أو الزمالة في الدراسة. وإذا كان أحد الموظفين من نفس الولاية يتم السؤال عن المعتمدية والقبيلة والعائلة... وهكذا إلى أن "تنحلّ العقد".

ما بعد البوابة أقساط جديدة
بعد الخروج من مرآب التفتيش وعلى بعد 200 متر من البوابة توجد نقطة شرطة للتثبت من الجواز. يبادر الأعوان بالتعليق ساخرين "مبروك البضاعة... تجارة أم زواج... دفعتم أم لا" والقصد من السؤال عن الدفع واضح وتستوقفهم الدورية لفترة من الوقت تنتهي بورقة نقدية.
وبعد أقل من 2 كلم توجد دورية الحرس الديواني في منطقة "الكتف" يدّعي الأعوان أنّهم يراقبون عمل الديوانة في البوابة ثم يتم الاتفاق على 20 أو 30 دينار. وما يدفع المواطنين إلى التعجيل بالدفع هو خشيتهم من إنزال البضاعة من جديد وإعادة ترصيفها.
كان صاحبي عائدا إلى مدينة "أريانة" وخلال المسافة الطويلة التي تفصل العاصمة عن الحدود الليبية تتكثف الاتصالات الهاتفية استكشافا للطريق رصدا لمواقع تواجد الحرس الديواني ولاختيار طريق آخر أو التوقف إلى حين موعد تغيير المناوبة وخلوّ نقطة التفتيش فيتحينون الفرصة لمواصلة الطريق.
ويصف التجار بعض دوريات الحرس الديواني "بالمتشددة"، والتشدد يعني عدم قبول الرشوة، ولذلك يخشاها التجار. كدورية منطقة "النفاتية" في الجنوب التي عرف فيها موظف لا يقبل الرشوة ولا تمارس أثناء تواجده بالعمل. وكذلك في "كوتين" بولاية مدنين لا تقبل الدورية الرشوة. أمّا دورية "زغوان" فيخشاها الجميع لأنّه عادة ما تعمل بها دوريات مشتركة من إدارات سوسة والقيروان وزغوان. فيضطر السائقون إلى البحث عن مداخل أخرى للعاصمة تونس وضواحيها.
وقد يضطر السواق إلى دخول المدن والمرور بأزقتها وأسواقها نظرا لتواجد دوريات أمن المرور أو الحرس الديواني على الطرق المحاذية لها.
أمّا على طريق "الفحص" فتقلّ دوريات الحرس الديواني وتتواجد دوريات الحرس الوطني المعروفة بكونها تأمر بإنزال البضائع وهو ما يضطر السواق إلى تسهيل المرور بالدفع نقدا.
بوصول محدثنا إلى أريانة يكون قد اشترى البضاعة ثلاثة مرات.
من هم الحرّاقة
هم أشخاص غالبا ما يكونون شبانا أصيلي المنطقة الحدودية يفدون على السيارات المتوقفة بانتظار دورها على بوابة "رأس جدير" ويطرقون نوافذ السيارات ويعرضون خدماتهم بنقل البضاعة مترجلين مقابل 10 أو 20 دينارا بحسب الكمية لتجنب خضوعها لمراقبة الديوانة، فهم يمرّون أمام الديوانة دون أن تقع مساءلتهم. ويفسر البعض عدم التعرض لهم بكون الدولة تغض الطرف عنهم لانعدام موارد الرزق لأولئك الشبان في المناطق الحدودية إلاّ من بعض أنشطة التهريب أو النقل، شأنهم في ذلك شأن تجار البنزين والبترول المهرب الذين كافحتهم شرطة الحدود طويلا ثم أصبحت تتغاضى عنهم، ففي كثير من المدن أصبح البنزين والبترول يباع في محلات خاصة به علنيا بأثمان منخفضة.
الرشوة حين تصبح مؤسسة إدارية ولغوية
كتب الصحفي عادل بوهلال منذ أسابيع أنّ أحد أعوان حرس المرور على الطريق السريعة بنزرت تونس خاطبه بالقول بعد الاطلاع على هويته "هل نبقى دون إفطار إلى حد الآن ؟" وعندما لم يتجاوب معه حرر ضده خطيّة بعشرين دينارا لأنّه لم يكن مستعملا لحزام الأمان. ولا نعرف منذ شهرين عن الحادثة إن كان لبلاغه صدى، على الأقل لم ينشر شيء عن الحادثة وتطوراتها بعد ذلك، وهو ما يعزز المقولة السلبية لدى الرأي العام "صيحة في واد".
ولغة دعوة الارتشاء مجازية في الغالب مثل "أعطيني قهوتي" و "هات المبروك" و "تحبش نعاونوك"... مثلما أصبحت مؤسسة الرشوة قائمة يتوجه إلى المواطنون وبتبرير معروف غاية في الذرائعية "أنا سأدفع في جميع الحالات للدولة أم للموظف، وللموظف أفضل وبأقل ثمن وأسرع وقت". وخلاصة ذلك ما يصطلح عليه "ثقافة تدبير الراس لدى التونسيين".
لا نعرف إلى أي حد تحارب الدولة الرشوة في تونس خاصة لدى موظفيها في غياب أية أرقام عن ذلك أو متابعات علنية خاصة لموظفي الأمن مما يضفي شعورا باطمئنان الراشي والمرتشي وتصبح الرشوة من باب الادعاء والجدارة في إطار كامل... من الشفافية !

(لمصدر مجلة كلمة الالكترونية العدد 62تاريخ 5 أفريل 2008)

ror

عدد الرسائل : 681
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 28/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى