مسألة كثيرا ما يختلف فيها
صفحة 1 من اصل 1
مسألة كثيرا ما يختلف فيها
تحية المسجد والإمام يخطب يوم الجمعة
اتفق العلماء على طلب تحية المسجد في الجملة لمن دخل المسجد ، كما اتفقوا على طلب الإنصات والإصغاء للخطيب يوم الجمعة في الجملة أيضًا ، واختلفوا فيما ينبغي لمن دخل والخطيب يخطب للجمعة : هل الإنصات والاستماع فلا يصلي التحية ؟ أم صلاة التحية .
فذهب إلى الأول من الأئمة الأربعة مالك وأبو حنيفة ، وإلى الثاني منهم الشافعي وأحمد .
وهاك مأخذ الفريقين و منزع المذهبين , وبيان ما يعطيه الحجاج من الحق :
احتج الأولون أولاً : بعموم قوله تعالى : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا )[الأعراف :204] .
قالوا : أمر الله تعالى بالإنصات والاستماع للقرآن ؛ فالخطبة كذلك ، إذ هي قرآن ، وفي أداء التحية وقتئذ تشاغل وإعراض عن امتثال الأمر ، فلا يجوز .
وثانيًا : بقوله عليه الصلاة والسلام : (إذا قلت لصاحبك : أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت) متفق عليه ، قالوا : اعتبر إرشاده لجليسه إلى الخير ، وأمره بالمعروف لغوُا مع قصر زمنه ، فالتشاغل بالتحية أولى أن يكون لغوُا فيمنع .
وثالثًا : بما رواه الطبراني من حديث ابن عمر مرفوعًا : (إذا دخل أحدكم والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام) .
والجواب عن الثلاثة جملة أنها مخصوصة بمن دخل فلا يعمه حكمها ، لقوله عليه الصلاة والسلام : (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) رواه مسلم وأحمد وأبو داود ، فإنه إذا تعارض الخاص والعام قضي بالخاص على العام .
ويخص الأول : أن إطلاق القول بأن الخطبة قرآن دعوى لا دليل عليها .
نعم يجوز أن يكون فيها منه آية أو أكثر ، ومع ذلك فالحكم للغالب ، ويخص الثاني : أن مصلي الركعتين يطلق عليه منصت ، ونظيره في ذلك : ما رواه أبو هريرة في افتتاح الصلاة أنه قال : يا رسول الله ، سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه ؟ فأطلق السكوت على القول سرًّا ، فهنا كذلك ، ويخص الثالث : أنه حديث ضعيف ، فيه : أيوب بن نهيك ، قال أبو زرعة وأبو حاتم : إنه منكر الحديث فلا تقوم به حجة .
واستدلوا رابعًا : بما رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة من طريق عبد الله بن بسر قال : جاء رجل يتخطى رقاب الناس والنبي صلي الله عليه وسلم يخطب ، فقال له : (اجلس فقد آذيت) وفي رواية : (وآنيت) قالوا : أمره بالجلوس دون التحية فدل على عدم مشروعيتها حينئذ .
والجواب عنه من وجوه :
الأول : أنه يحتمل أن يكون هذا الرجل قد صلى التحية في مؤخر المسجد على مرأى منه صلي الله عليه وسلم ، ثم تقدم ليتمكن من سماع الخطبة فتخطى الأعناق فأنكر عليه .
الثاني : يحتمل أن يكون الرجل دخل في أواخر الخطبة ، وقد ضاق الوقت بحيث لا يتمكن من التحية قبل الإقامة فلا يطالب بها ، ويدل على ذلك ما في بعض الروايات :(فقد آذيت وآنيت) أي : أبطأت .
الثالث : أن معنى قوله صلي الله عليه وسلم :(اجلس) النهي عن تخطي الأعناق ، بدليل قوله : (فقد آذيت) ، وأما التحية فقد وكله عليه الصلاة والسلام إلى ما علمه الرجل قبل ذلك من ضرورة التحية ، ومع هذه الاحتمالات لا يقوى الحديث المذكور على الاحتجاج به في محل النزاع .
ذلك جملة حجج المانعين ، وقد بينا ما فيها من عيوب .
واحتج الآخرون أولاُ : بقوله عليه الصلاة و السلام : (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) وهو قاض على عموم ما ذكروا من الأدلة ، ولا مطعن فيه .
قال النووي : لا أظن عالمًا يبلغه هذا اللفظ صحيحًا فيخالفه .
واحتجوا ثانيًا : بما رواه جابر بن عبد الله قال : جاء رجل والنبي صلي الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال : (صليت يا فلان) فقال : لا ، قال : (قم فاركع) ، وفي رواية :(فصل ركعتين) رواه الجماعة ، وهذا الرجل هو : سليك الغطفاني ، و أجاب المانعون بأنها واقعة حال لا عموم لها .
ويدل على اختصاصها بسليك ما روي من حديث أبي سعيد أن الرجل كان في هيئة بذة فقال له :(أصليت) ، قال : لا ، قال : (صلِّ ركعتين) ، وحض على الصدقة .
وأيضًا في هذا الحديث عند أحمد أن النبي صلي الله عليه وسلم قال :(إن هذا الرجل دخل في هيئة بذة وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه) ، ورد بأن الأصل عدم الخصوصية ، وما ذكروه من قصد الصدقة لا يمنع القصد إلى التحية -أيضًا - معها فيكون كل منهما جزء علة للأمر ، ولو كان للفت النظر إلى الرجل فحسب لقال : إذا رأيتم ذا بذة فتصدقوا ، أو إذا كان أحدكم ذا بذة فليصل ركعتين حتى يتنبه له فيتصدق عليه .
وأجابوا عن حديث سليك -أيضًا- بأن النبي صلي الله عليه وسلم سكت حتى فرغ سليك في صلاته ، فقد جمع سليك بين التحية والإنصات ، فلم يبق في حديثه حجة لمن أجاز التحية وقتئذ .
ورد بأن حديث سكوت النبي صلي الله عليه وسلم حتى يفرغ سليك : ضعيف ، فإن الدارقطني الذي أخرجه من حديث أنس بن مالك وقد ضعفه ، وقال الصواب أنه من رواية سليمان التيمي مرسلاً أو معضلاً فلا صحة فيه ، على أنه لو ثبت لكان مخالفًا لقاعدتهم ، فإن العمل بعد الشروع فيه لا يجوز قطعه عندهم ، لا سيما إذا كان واجبًا فعلى كلا الأمرين لا حجة لهم فيه ، وقد تعللوا بأجوبة أخرى يأباها النظر فلا داعي إلى سردها .
وبالجملة فلكل منزع ، وقد عرفت وجه الصواب في ذلك ، وهو ضرورة صلاة تحية المسجد للداخل والإمام يخطب للأحاديث الصحيحة الصريحة الثابتة في ذلك مع ضعف جميع الأحاديث التي تمسك بها المانعون ، ولا نرى ما يحملنا على ترك الصحيح الثابت ، والتحول عنه إلى الضعيف الواهي اللهم إلا العصبية الممقوتة والتقليد الأعمى ، هدانا الله إلى سواء السبيل .
heeedi-
عدد الرسائل : 228
Localisation : تونس
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 16/01/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى